وإذا ثبت هذا فنقول لما دخل لو على الماضي وما اختلف آخر بالعامل لم يتبين فيه إعراب وإن لما دخل على المستقبل بان فيه الإعراب ثم إن الجزاء على حسب الشرط وكان الجزاء في باب لو ماضياً فلم يتبين فيه الحال ولا سكون فيضاف له حرف يدل على خروجه عن كونه جملة ودخوله في كونه جزء جملة إذا ثبت هذا فنقول عندما يكون الجزاء ظاهراً يستغني عن الحرف الصارف لكن كون الماء المذكور في الآية وهو الماء المشروب المنزل من المزن أجاجاً ليس أمراً واقعاً يظن أنه خبر مستقل ويقويه أنه تعالى يقول جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً على طريقة الإخبار والحرث والزرع كثيراً ما وقع كونه حطاماً فلو قال جعلناه حطاماً كان يتوهم منه الإخبار فقال هناك لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ ليخرجه عما هو صالح له في الواقع وهو الحطامية وقال الماء المنزل المشروب من المزن جعلناه أجاجاً لأنه لا يتوهم ذلك فاستغنى عن اللام وفيه لطيفة أخرى نحوية وهي أن في القرآن إسقاط اللام عن جزاء لو حيث كانت لو داخلة على مستقبل لفظاً وأما إذا كان ما دخل عليه لو ماضياً وكان الجزاء موجباً فلا كما في قوله تعالى وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا ( السجدة ١٣ ) لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ( إبراهيم ٢١ ) وذلك لأن لو إذا دخلت على فعل مستقل كما في قوله لَّوْ نَشَاء فقد أخرجت عن حيزها لفظاً لأن لو للماضي فإذا خرج الشرط عن حيزه جاز في الجزاء الإخراج عن حيزه لفظاً وإسقاط اللام عنه لأن إن كان حيزها المستقبل وتدخل على المستقبل فإذا جعل ما دخل إن عليه ماضياً كقولك إن جئتني جاز في الخبر الإخراج عن حيزه وترك الجزم فنقول أكرمك بالرفع وأكرمك بالجزم كما تقول في لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ وفي لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ ( الواقعة ٧٠ ) وما ذكرناه من الجواب في قوله أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ ( يس ٤٧ ) إذا نظرت إليه تجده مستقيماً وحيث لم يقل لو شاء الله أطعمه علم أن الآخر جزاء ولم يبق فيه توهم لأنه إما أن يكون عند المتكلم وذلك غير جائز لأن المتكلم عالم بحقيقة كلامه وإما أن يكون عندهم وذلك غير جائز ههنا لأن قولهم لو شاء الله أطعمه رد على المؤمنين في زعمهم يعني أنتم تقولون إن الله لو شاء فعل فلا نطعم من لو شاء الله أطعمه على زعمكم فلما كان أطعمه جزاءاً معلوماً عند السامع والمتكلم استغنى عن اللام والحطام كالفتات والجذاذ وهو من الحطم كما أن الفتات والجذاذ من الفت والجذ والفعال في أكثر الأمر يدل على مكروه أو منكر أما في المعاني فكالسبات والفواق والزكام والدوار والصداع لأمراض وآفات في الناس والنبات وأما في الأعيان فكالجذاذ والحطام والفتات وكذا إذا لحقته الهاء كالبرادة والسحالة وفيه زيادة بيان وهو أن ضم الفاء من الكلمة يدل على ما ذكرنا في الأفعال فإنا نقول فعل لما لم يسم فاعله وكان السبب أن أوائل الكلم لما لم يكن فيه التخفيف المطلق وهو السكون لم يثبت التثقيل المطلق وهو الضم فإذا ثبت فهو لعارض إن علم كما ذكرنا فلا كلام وإن لم يعلم كما في برد وقفل فالأمر خفي يطول ذكره والوضع يدل عليه في الثلاثي وقوله تعالى إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وفيه وجهان أما على الوجه الأول كأنما هو كلام مقدر عنهم كأنه يقول وحينئذ يحق أن تقولوا إنا لمعذبون دائمون في العذاب وأما على الوجه الثاني فيقولون إنا لمعذبون ومحرمون عن إعادة الزرع مرة أخرى يقولون إنا لمعذبون بالجوع بهلاك الزرع ومحرومون عن دفعه بغير الزرع لفوات الماء والوجه الثاني في الغرم إنا لمكرهون بالغرامة من غرم الرجل وأصل الغرم والغرام لزوم المكروه


الصفحة التالية
Icon