الذي استجمع فيه ما ينبغي من طهارة الأصل وظهور الفضل ويدل على هذا أن السخي في معاملته ينبغي أن لا يوجد منه ما يقال بسببه إنه لئيم فالقرآن أيضاً كريم بمعنى طاهر الأصل ظاهر الفضل لفظه فصيح ومعناه صحيح لكن القرآن أيضاً كريم على مفهوم العوام فإن كل من طلب منه شيئاً أعطاه فالفقيه يستدل به ويأخذ منه والحكيم يستمد به ويحتج به والأديب يستفيد منه ويتقوى به والله تعالى وصف القرآن بكونه كريماً وبكونه عزيزاً وبكونه حكيماً فلكونه كريماً كل من أقبل عليه نال منه ما يريده فإن كثيراً من الناس لا يفهم من العلوم شيئاً وإذا اشتغل بالقرآن سهل عليه حفظه وقلما يرى شخص يحفظ كتاباً يقرؤه بحيث لا يغير منه كلمة بكلمة ولا يبدل حرفًا بحرف وجميع القراء يقرأون القرآن من غير توقف ولا تبديل ولكونه عزيزاً أن كل من يعرض عنه لا يبقى معه منه شيء بخلاف سائر الكتب فإن من قرأ كتاباً وحفظه ثم تركه يتعلق بقلبه معناه حتى ينقله صحيحاً والقرآن من تركه لا يبقى معه منه شيء لعزته ولا يثبت عند من لا يلزمه بالحفظ ولكونه حكيماً من اشتغل به وأقبل عليه بالقلب أغناه عن سائر العلوم وقوله تعالى فِى كِتَابِ جعله شيئاً مظروفاً بكتاب فما ذلك نقول فيه وجهان أحدهما المظروف القرآن أي هو قرآن في كتاب كما يقال فلان رجل كريم في بيته لا يشك السامع أن مراد القائل أنه في الدار قاعد ولا يريد به أنه كريم إذا كان في الدار وغير كريم إذا كان خارجاً ولا يشك أيضاً أنه لا يريد به أنه كريم في بيته بل المراد أنه رجل كريم وهو في البيت فكذلك ههنا أن القرآن كريم وهو في كتاب أو المظروف كريم على معنى أنه كريم في كتاب كما يقال فلان رجل كريم في نفسه فيفهم كل أحد أن القائل لم يجعله رجلاً مظروفاً فإن القائل لم يرد أنه رجل في نفسه قاعد أو نائم وإنما أراد به أنه كريم كرمه في نفسه فكذلك قرآن كريم فالقرآن كريم في اللوح المحفوظ وإن لم يكن كريماً عند الكفار ثانيهما المظروف هو مجموع قوله تعالى ( لقرآن كريم ) أي هو كذا في كتاب كما يقال وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ ( المطففين ١٩ ) في كتاب الله تعالى والمراد حينئذ أنه في اللوح المحفوظ نعته مكتوب إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ والكل صحيح والأول أبلغ في التعظيم بالمقروء السماوي
المسألة الخامسة ما المراد من الكتاب نقول فيه وجوه الأول وهو الأصح أنه اللوح المحفوظ ويدل عليه قوله تعالى بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( البروج ٢٠ ٢١ ) الثاني الكتاب هو المصحف الثالث كتاب من الكتب المنزلة فهو قرآن في التوراة والإنجيل وغيرهما فإن قيل كيف سمي الكتاب كتاباً والكتاب فعال وهو إذا كان للواحد فهو إما مصدر كالحساب والقيام وغيرهما أو اسم لما يكتب كاللباس واللثام وغيرهما فكيفما كان فالقرآن لا يكون في كتاب بمعنى المصدر ولا يكون في مكتوب وإنما يكون مكتوباً في لوح أو ورق فالمكتوب لا يكون في الكتاب إنما يكون في القرطاس نقول ما ذكرت من الموازين يدل على أن الكتاب ليس المكتوب ولا هو المكتوب فيه أو المكتوب عليه فإن اللثام ما يلثم به والصوان ما يصان فيه الثوب لكن اللوح لما لم يكن إلا الذي يكتب فيه صح تسميته كتاباً
المسألة السادسة المكتوب هو المستور قال الله تعالى كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ( الواقعة ٢٣ ) قال بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ( الصمد ٢٤ ) فإن كان المراد من الكتاب اللوح فهو ليس بمستور وإنما الشيء فيه منشور وإن كان المراد هو المصحف فعدم كونه مكتوباً مستوراً فكيف الجواب عنه فنقول المكنون المحفوظ إذا كان غير عزيز يحفظ بالعين وهو ظاهر للناس فإذا كان شريفاً عزيزاً لا يكتفي بالصون والحفظ بالعين بل يستر


الصفحة التالية
Icon