أنكم تكذبون الرسل والأول عليه أكثر المفسرين لكن الثاني مطابق لصريح اللفظ فإن الحديث بكلامهم أولى وهو عبارة عن قولهم أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( الواقعة ٤٧ ) والمدهن يبقى على حقيقته فإنهم ما كانوا مدهنين بالقرآن وقول الزجاج مكذبون جاء بعده صريحاً وأما قوله وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ ففيه وجوه الأول تجعلون شكر النعم أنكم تقولون مطرنا بنوء كذا وهذا عليه أكثر المفسرين الثاني تجعلون معاشكم وكسبكم تكذيب محمد يقال فلان قطع الطريق معاشه والرزق في الأصل مصدر سمي به ما يرزق يقال للمأكول رزق كما يقال للمقدور قدرة والمخلوق خلق وعلى هذا فالتكذيب مصدر قصد به ما كانوا يحصلون به مقاصدهم وأما قوله تُكَذّبُونَ فعلى الأول المراد تكذيبهم بما قال الله تعالى وَمَا مِن دَابَّة ٍ فِي الاْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وغير ذلك وعلى الثاني المراد جميع ما صدر منهم من التكذيب وهو أقرب إلى اللفظ
ثم قال تعالى
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَاكِن لاَّ تُبْصِرُونَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى المراد من كلمة لَوْلاَ معنى هلا من كلمات التحضيض وهي أربع كلمات لولا ولوما وهلا وألا ويمكن أن يقال أصل الكلمات لم لا على السؤال كما يقول القائل إن كنت صادقاً فلم لا يظهر صدقك ثم إنما قلنا الأصل لم لا لكونه استفهاماً أشبه قولنا هلا ثم إن الاستفهام تارة يكون عن وجود شيء وأخرى عن سبب وجوده فيقال هل جاء زيد ولم جاء والاستفهام بهل قبل الاستفهام بلم ثم إن الاستفهام قد يستعمل للإنكار وهو كثير ومنه قوله تعالى ههنا أَفَبِهَاذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ ( الواقعة ٨١ ) وقوله أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ ( الصافات ١٢٥ ) وقوله تعالى أَءفْكاً ءالِهَة ً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ( الصافات ٨٦ ) ونظائرها كثيرة وقد ذكرنا لك الحكمة فيه وهي أن النافي والناهي لا يأمر أن يكذب المخاطب فعرض بالنفي لئلا يحتاج إلى بيان النفي إذا ثبت هذا فالاستفهام ( بهل ) لإنكار الفعل والاستفهام ( بلم ) لإنكار سببه وبيان ذلك أن من قال لم فعلت كذا يشير إلى أنه لا سبب للفعل ويقول كان الفعل وقع من غير سبب الوقوع وهو غير جائز وإذا قال هل فعلت ينكر نفس الفعل لا الفعل من غير سبب وكأنه في الأول يقول لو وجد للفعل سبب لكان فعله أليق وفي الثاني يقول الفعل غير لائق ولو وجد له سبب
المسألة الثانية إن كل واحد منهما يقع في صدر الكلام ويستدعي كلاماً مركباً من كلامين في الأصل أما في ( هل ) فلأن أصلها أنك تستعملها في جملتين فتقول هل جاء زيد أو ما جاء لكنك ربما تحذف أحديهما وأما في ( لو ) فإنك تقول لو كان كذا لكان كذا وربما تحذف الجزاء كما ذكرنا في قوله تعالى لَّوْ تَعْلَمُونَ ( الواقعة ٧٦ ) لأنه يشير بلو إلى أن المنفي له دليل فإذا قال القائل لو كنتم تعلمون وقيل له لم لا يعلمون قال إنهم لو يعلمون لفعلوا كذا فدليله مستحضر إن طولب به بينه وإذا ثبت أن النفي بلو والنفي بهل أبلغ من النفي بلا والنفي بقوله لم وإن كان بينهما اشتراك معنى ولفظاً وحكماً وصارت كلمات التحضيض وهي لو ما ولولا وهلا وألا كما تقول لم لا فإذن قول القائل هل تفعل وأنت عنه مستغن


الصفحة التالية
Icon