ثم قال تعالى
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى في السلام وفيه وجوه أولها يسلم به صاحب اليمين على صاحب اليمين كما قال تعالى من قبل لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً ( الواقعة ٢٥ ٢٦ ) ثانيها فَسَلَامٌ لَّكَ أي سلامة لك من أمر خاف قلبك منه فإنه في أعلى المراتب وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه إذا كان يخدم عند كريم يقول له كن فارغاً من جانب ولدك فإنه في راحة ثالثها أن هذه الجملة تفيد عظمة حالهم كما يقال فلان ناهيك به وحسبك أنه فلان إشارة إلى أنه ممدوح فوق الفضل
المسألة الثانية الخطاب بقوله لَكَ مع من نقول قد ظهر بعض ذلك فنقول يحتمل أن يكون المراد من الكلام النبي ( ﷺ ) وحينئذ فيه وجه وهو ما ذكرنا أن ذلك تسلية لقلب النبي ( ﷺ ) فإنهم غير محتاجين إلى شيء من الشفاعة وغيرها فسلام لك يا محمد منهم فإنهم في سلامة وعافية لا يهمك أمرهم أو فسلام لك يا محمد منهم وكونهم ممن يسلم على محمد ( ﷺ ) دليل العظمة فإن العظيم لا يسلم عليه إلا عظيم وعلى هذا ففيه لطيفة وهي أن النبي ( ﷺ ) مكانته فوق مكانة أصحاب اليمين بالنسبة إلى المقربين الذين هم في عليين كأصحاب الجنة بالنسبة إلى أهل عليين فلما قال وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ كان فيه إشارة إلى أن مكانهم غير مكان الأولين المقربين فقال تعالى هؤلاء وإن كانوا دون الأولين لكن لا تنفع بينهم المكانة والتسليم بل هم يرونك ويصلون إليك وصول جليس الملك إلى الملك والغائب إلى أهله وولده وأما المقربون فهم يلازمونك ولا يفارقونك وإن كنت أعلى مرتبة منهم
ثم قال تعالى
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَة ُ جَحِيمٍ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى قال ههنا مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضَّالّينَ وقال من قبل ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذّبُونَ وقد بينا فائدة التقديم والتأخير هناك
المسألة الثانية ذكر الأزواج الثلاثة في أول السورة بعبارة وأعادهم بعبارة أخرى فقال فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَة ِ ( الواقعة ٨ ) ثم قال وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ ( الواقعة ٢٧ ) وقال وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَة ِ ( الواقعة ٩ ) ثم قال وَأَصْحَابُ الشّمَالِ ( الواقعة ٤١ ) وأعادهم ههنا وفي المواضع الثلاثة ذكر أصحاب اليمين بلفظ واحد أو بلفظين مرتين أحدهما غير الآخر وذكر السابقين في أول السورة بلفظ السابقين وفي آخر السورة بلفظ المقربين وذكر أصحاب النار في الأول بلفظ وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَة ِ ثم بلفظ الشّمَالِ مَا ثم بلفظ الْمُكَذّبِينَ فما الحكمة فيه نقول أما السابق فله حالتان إحداهما في الأولى والأخرى في الآخرة فذكره في المرة الأولى بماله في الحالة الأولى وفي الثانية بماله في الحالة الآخرة وليس له حالة هي واسطة بين الوقوف للعرض وبين الحساب بل هو ينقل من الدنيا إلى أعلى عليين ثم ذكر أصحاب اليمين بلفظين متقاربين لأن حالهم قريبة من حال السابقين وذكر الكفار بألفاظ ثلاثة كأنهم في الدنيا ضحكوا عليهم بأنهم أصحاب موضع شؤم فوصفوهم بموضع الشؤم فإن المشأمة مفعلة وهي الموضع ثم قال الشّمَالِ مَا


الصفحة التالية
Icon