كان أمراً ثبوتياً لكانت له ماهية ووجود فحينئذ تكون موصوفية تلك الماهية بالوجود زائدة عليه ولزم التسلسل وهو محال وإذا كان موصوفية الماهية بالوجوه ليس أمراً ثبوتياً استحال أن يقال لا تأثير للفاعل في الماهية ولا في الوجود بل تأثيره في موصوفية الماهية بالوجود الثاني أن بتقدير أن تكون تلك الموصوفية أمراً ثبوتياً استحال أيضاً جعلها أثراً للفاعل وإلا لزم عند فرض عدم ذلك الفاعل أن تبقى الموصوفية موصوفية فظهر أن الشبهة التي ذكروها لو تمت واستقرت يلزم نفي التأثير والمؤثر أصلاً بل كما أن الماهيات إنما صارت موجودة بتأثير واجب الوجود فكذا أيضاً الماهيات إنما صارت ماهيات بتأثير واجب الوجود وإذا لاحت هذه الحقائق ظهر بالبرهان العقلي صدق قوله تعالى لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بل ملك السموات والأرض بالنسبة إلى كمال ملكه أقل من الذرة بل لا نسبة له إلى كمال ملكه أصلاً لأن ملك السموات والأرض ملك متناه وكمال ملكه غير متناه والمتناهي لا نسبة له ألبتة إلى غير المتناهي لكنه سبحانه وتعالى ذكر ملك السموات والأرض لأنه شيء مشاهد محسوس وأكثر الخلق عقولهم ضعيفة قلما يمكنهم الترقي من المحسوس إلى المعقول
ثم إنه سبحانه لما ذكر من دلائل الآفاق ملك السموات والأرض ذكر بعده دلائل الأنفس فقال لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ يُحْى ِ وَيُمِيتُ وَهُوَ وفيه مسألتان
المسألة الأولى ذكر المفسرون فيه وجهين أحدهما يحيي الأموات للبعث ويميت الأحياء في الدنيا والثاني قال الزجاج يحيي النطف فيجعلها أشخاصاً عقلاء فاهمين ناطقين ويميت وعندي فيه وجه ثالث وهو أنه ليس المراد من تخصيص الإحياء والإماتة بزمان معين وبأشخاص معينين بل معناه أنه هو القادر على خلق الحياة والموت كما قال في سورة الملك الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواة َ ( الملك ٢ ) والمقصود منه كونه سبحانه هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيتين على الإطلاق لا يمنعه عنهما مانع ولا يرده عنهما راد وحينئذ يدخل فيه الوجهان اللذان ذكرهما المفسرون
المسألة الثانية موضع لاَ إله رفع على معنى هو يحيي ويميت ويجوز أن يكون نصباً على معنى له ملك السموات والأرض حال كونه محيياً ومميتاً واعلم أنه تعالى لما ذكر دلائل الآفاق أولاً ودلائل الأنفس ثانياً ذكر لفظاً يتناول الكل فقال وَهُوَ عَلَى كُلّ شَى ْء قَدِيرٌ وفوائد هذه الآية مذكورة في أول سورة الملك
هُوَ الاٌّ وَّلُ وَالاٌّ خِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَى ْءٍ عَلِيمٌ
وفيه مسائل
المسألة الأولى روي عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال في تفسير هذه الآية ( إنه الأول ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء ) وأعلم أن هذا المقام مقام مهيب غامض عميق والبحث فيه من وجوه الأول أن تقدم


الصفحة التالية
Icon