فرض عدم كل عداه إلا مع وجود الزمان الذي به تتحقق تلك البعدية فإذن حال ما فرض عدم كل ما عداه أن لا يعدم كل ما عداه فهذا خلف فإذن فرض بقائه مع عدم كل ما عداه محال وهذه الشبهة مبنية أيضاً على أن التقدم والتأخر لا يتقرران إلا بالزمان وقد دللنا على فساد هذه المقدمة فبطلت هذه الشبهة وأما الذين سلموا إمكان عدم كل ما عداه مع بقائه فمنهم من أوجب ذلك حتى يتقرر كونه تعالى آخراً للكل وهذا مذهب جهم فإنه زعم أنه سبحانه يوصل الثواب إلى أهل الثواب ويوصل العقاب إلى أهل العقاب ثم يفني الجنة وأهلها والنار وأهلها والعرش والكرسي والملك والفلك ولا يبقى مع الله شيء أصلاً فكما أنه كان موجوداً في الأزل ولا شيء يبقى موجوداً في اللا يزال أبد الآباد ولا شيء واحتج عليه بوجوه أولها قوله هو الآخر يكون آخراً إلا عند فناء الكل وثانيها أنه تعالى إما أن يكون عالماً بعدد حركات أهل الجنة والنار أو لا يكون عالماً بها فإن كان عالماً بها كان عالماً بكميتها وكل ماله عدد معين فهو متناه فإذن حركات أهل الجنة متناهية فإذن لا بد وأن يحصل بعدها عدم أبدي غير منقض وإذا لم يكن عالماً بها كان جاهلاً بها والجهل على الله محال وثالثها أن الحوادث المستقبلة قابلة للزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك فهو متناه والجواب أن إمكان استمرار هذه الأشياء حاصل إلى الأبد والدليل عليه هو أن هذه الماهيات لو زالت إمكاناتها لزم أن ينقلب الممكن لذاته ممتنعاً لذاته ولو انقلبت قدرة الله من صلاحية التأثير إلى امتناع التأثير لانقلبت الماهيات وذلك محال فوجب أن يبقى هذا الإمكان أبداً فإذن ثبت أنه يجب انتهاء هذه المحدثات إلى العدم الصرف أما التمسك بالآية فسنذكر الجواب عنه بعد ذلك إن شاء الله تعالى وأما الشبهة الثانية فجوابها أنه يعلم أنه ليس لها عدد معين وهذا لا يكون جهلاً إنما الجهل أن يكون له عدد معين ولا يعلمه أما إذا لم يكن له عدد معين وأنت تعلمه على الوجه فهذا لا يكون جهلاً بل علماً وأما الشبهة الثالثة فجوابها أن الخارج منه إلى الوجود أبداً لا يكون متناهياً ثم إن المتكلمين لما أثبتوا إمكان بقاء العالم أبداً عولوا في بقاء الجنة والنار أبداً على إجماع المسلمين وظواهر الآيات ولا يخفى تقريرها وأما جمهور المسلمين الذين سلموا بقاء الجنة والنار أبداً فقد اختلفوا في معنى كونه تعالى آخراً على وجوه أحدها أنه تعالى يفني جميع العالم والممكنات فيتحقق كونه آخراً ثم إنه يوجدها ويبقيها أبداً وثانيها أن الموجود الذي يصح في العقل أن يكون آخراً لكل الأشياء ليس إلا هو فلما كانت صحة آخرية كل الأشياء مختصة به سبحانه لا جرم وصف بكونه آخراً وثالثها أن الوجود منه تعالى يبتدىء ولا يزال ينزل وينزل حتى ينتهي إلى الموجود الأخير الذي كون هو مسبباً لكل ما عداه ولا يكون سبباً لشيء آخر فبهذا الاعتبار يكون الحق سبحانه أولاً ثم إذا انتهى أخذ يترقى من هذا الموجود الأخير درجة فدرجة حتى ينتهي إلى آخر الترقي فهناك وجود الحق سبحانه فهو سبحانه أول في نزول الوجود منه إلى الممكنات آخر عند الصعود من الممكنات إليه ورابعها أنه يميت الخلق ويبقى بعدهم فهو سبحانه آخر بهذا الاعتبار وخامسها أنه أول في الوجود وآخر في الاستدلال لأن المقصود من جميع الاستدلالات معرفة الصانع وأما سائر الاستدلالات التي لا يراد منها معرفة الصانع فهي حقيرة خسيسة أما كونه تعالى ظاهراً وباطناً فاعلم أنه ظاهر بحسب الوجود فإنك لا ترى شيئاً من الكائنات والممكنات إلا ويكون دليلاً على وجوده وثبوته وحقيقته وبراءته عن جهات التغير على ما قررناه وأما كونه تعالى باطناً فمن وجوه الأول أن كمال كونه ظاهراً سبب لكونه باطناً فإن هذه الشمس لو دامت على الفلك لما كنا نعرف أن هذا الضوء


الصفحة التالية
Icon