زيد ضربت وكقوله في الشعر قد أصبحت أم الخيار تدعى
علي ذنباً كله لم أصنع
روي ( كله ) بالرفع لتأخر الفعل عنه لموجب آخر واعلم أن للشيخ عبد القاهر في هذا الباب كلاماً حسناً قال إن المعنى في هذا البيت يتفاوت بسبب النصب والرفع وذلك لأن النصب يفيد أنه ما فعل كل الذنوب وهذا لا ينافي كونه فاعلاً لبعض الذنوب فإنه إذا قال ما فعلت كل الذنوب أفاد أنه ما فعل الكل ويبقى احتمال أنه فعل البعض بل عند من يقول بأن دليل الخطاب حجة يكون ذلك اعترافاً بأنه فعل بعض الذنوب أما رواية الرفع وهي قوله كله لم أصنع فمعناه أن كل واحد واحد من الذنوب محكوم عليه بأنه غير مصنوع فيكون معناه أنه ماأتى بشيء من الذنوب ألبتة وغرض الشاعر أن يدعي البراءة عن جميع الذنوب فعلمنا أن المعنى يتفاوت بالرفع والنصب ومما يتفاوت فيه المعنى بسبب تفاوت الإعراب في هذا الباب قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَى ْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( القمر ٤٩ ) فمن قرأ ( كل ) شيء بالنصب أفاد أنه تعالى خلق الكل بقدر ومن قرأ ( كل ) بالرفع لم يفد أنه تعالى خلق الكل بل يفيد أن كل ما كان مخلوقاً له فهو إنما خلقه بقدر وقد يكون تفاوت الإعراب في هذا الباب بحيث لا يوجب تفاوت المعنى كقوله وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ ( يس ٣٩ ) فإنك سواء قرأت وَالْقَمَرِ بالرفع أو بالنصب فإن المعنى واحد فكذا في هذه الآية سواء قرأت وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى أو قرأت وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى فإن المعنى واحد غير متفاوت
المسألة الثالثة تقدير الآية وكلا وعده الله الحسنى إلا أنه حذف الضمير لظهوره كما في قوله أَهَاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ( الفرقان ٤١ ) وكذا قوله وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ( البقرة ٤٨ ) ثم قال وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ والمعنى أنه تعالى لما وعد السابقين والمحسنين بالثواب فلا بد وأن يكون عالماً بالجزئيات وبجميع المعلومات حتى يمكنه إيصال الثواب إلى المستحقين إذ لو لم يكن عالماً بهم وبأفعالهم على سبيل التفصيل لما أمكن الخروج عن عهدة الوعد بالتمام فلهذا السبب أتبع ذلك الوعد بقوله وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
ثم قال تعالى
مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ
وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكروا أن رجلاً من اليهود قال عند نزول هذه الآية ما استقرض إله محمد حتى افتقر فلطمه أبو بكر فشكا اليهودي ذلك إلى رسول الله ( ﷺ ) فقال له ما أردت بذلك فقال ما ملكت نفسي أن لطمته فنزل قوله تعالى وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً ( آل عمران ١٨٦ ) قال المحققون اليهودي إنما قال ذلك على سبيل الاستهزاء لا لأن العاقل يعتقد أن الإله يفتقر وكذا القول في قولهم إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ( آل عمران ١٨١ )
المسألة الثانية أنه تعالى أكد بهذه الآية ترغيب الناس في أن ينفقوا أموالهم في نصرة المسلمين وقتال الكافرين ومواساة فقراء المسلمين وسمى ذلك الإنفاق قرضاً من حيث وعد به الجنة تشبيهاً بالقرض
المسألة الثالثة اختلفوا في المراد من هذا الإنفاق فمنهم من قال المراد الإنفاقات الواجبة ومنهم


الصفحة التالية
Icon