ثم قال تعالى
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْى ِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاٌّ يَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وفيه وجهان الأول أنه تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة فالمواظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث والثاني أن المراد من قوله فَانظُرْ إِلَى ءاثَارِ رَحْمَة ِ بعث الأموات فذكر ذلك ترغيباً في الخشوع والخضوع وزجراً عن القساوة
ثم قال تعالى
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ
وفيه مسائل
المسألة الأولى قال أبو علي الفارسي قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر إِنَّ الْمُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدّقَاتِ بالتخفيف وقرأ الباقون وحفص عن عاصم إِنَّ الْمُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدّقَاتِ بتشديد الصاد فيهما فعلى القراءة الأولى يكون معنى المصدق المؤمن فيكون المعنى إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لأن إقراض الله من الأعمال الصالحة ثم قالوا وهذه القراءة أولى لوجهين الأول أن من تصدق لله وأقرض إذا لم يكن مؤمناً لم يدخل تحت الوعد فيصير ظاهر الآية متروكاً على قراءة التشديد ولا يصير متروكاً على قراءة التخفيف والثاني أن المتصدق هو الذي يقرض الله فيصير قوله إِنَّ الْمُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدّقَاتِ وقوله وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ شيئاً واحداً وهو تكرار أما على قراءة التخفيف فإنه لا يلزم التكرار وحجة من نقل وجهان أحدهما أن في قراءة أبي ءانٍ الْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ بالتاء والثاني أن قوله وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً اعتراض بين الخبر والمخبر عنه والاعتراض بمنزلة الصفة فهو للصدقة أشد ملازمة منه للتصديق وأجاب الأولون بأنا لا نحمل قوله وَأَقْرِضُواُ على الاعتراض ولكنا نعطفه على المعنى ألا ترى أن المصدقين والمصدقات معناه إن الذين صدقوا فصار تقدير الآية إن الذين صدقوا وأقرضوا الله
المسألة الثانية في الآية إشكال وهو أن عطف الفعل على الاسم قبيح فما الفائدة في التزامه ههنا قال صاحب الكشاف قوله وَأَقْرِضُواُ معطوف على معنى الفعل في المصدقين لأن اللام بمعنى الذين واسم الفاعل بمعنى صدقوا كأنه قيل إن الذين صدقوا وأقرضوا واعلم أن هذا لا يزيل الإشكال فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ إلى هذا اللفظ والذي عندي فيه أن الألف واللام في المصدقين والمصدقات للمعهود فكأنه ذكر جماعة معينين بهذا الوصف ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة وهو الإتيان بالقرض الحسن ثم ذكر الخبر بعد ذلك وهو قوله يُضَاعَفُ لَهُمُ فقوله وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ هو المسمى بحشو اللوزنج كما في قوله إن الثمانين وبلغتها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
المسألة الثالثة من قرأ الْمُصَدّقِينَ بالتشديد اختلفوا في أن المراد هو الواجب أو التطوع أو هما جميعاً أو المراد بالتصدق الواجب وبالإقراض التطوع لأن تسميته بالقرض كالدلالة على ذلك فكل هذه الاحتمالات مذكورة أما قوله يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ فقد تقدم القول فيه


الصفحة التالية
Icon