ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدل على حقارة الدنيا وكمال حال الآخرة فقال
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَواة ُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَة ٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاٌّ مْوَالِ وَالاٌّ وْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الاٌّ خِرَة ِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَة ٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَواة ُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
وفي الآية مسائل
المسألة الأولى المقصود الأصلي من الآية تحقير حال الدنيا وتعظيم حال الآخرة فقال الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر ولا شك أن هذه الأشياء أمور محقرة وأما الآخرة فهي عذاب شديد دائم أو رضوان الله على سبيل الدوام ولا شك أن ذلك عظيم
المسألة الثانية اعلم أن الحياة الدنيا حكمة وصواب ولذلك لما قال تعالى إِنّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَة ً قَالُواْ إِنّى عِلْمٍ مَالاً تَعْلَمُونَ ( البقرة ٣٠ ) ولولا أنها حكمة وصواب لما قال ذلك ولأن الحياة خلقه كما قال الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواة َ ( الملك ٢ ) وأنه لا يفعل العبث على ما قال أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ( المؤمنين ١١٥ ) وقال وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ولأن الحياة نعمة بل هي أصل لجميع النعم وحقائق الأشياء لا تختلف بأن كانت في الدنيا أو في الآخرة ولأنه تعالى عظم المنة بخلق الحياة فقال كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ( البقرة ٢٨ ) فأول ما ذكر من أصناف نعمه هو الحياة فدل مجموع ما ذكرنا على أن الحياة الدنيا غير مذمومة بل المراد أن من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى فذاك هو المذموم ثم إنه تعالى وصفها بأمور أولها أنها لَعِبٌ وهو فعل الصبيان الذين يتعبون أنفسهم جداً ثم إن تلك المتاعب تنقضي من غير فائدة وثانيها أنها لَهُوَ وهو فعل الشبان والغالب أن بعد انقضائه لا يبقى إلا الحسرة وذلك لأن العاقل بعد انقضائه يرى المال ذاهباً والعمر ذاهباً واللذة منقضية والنفس ازدادت شوقاً وتعطشاً إليه مع فقدانها فتكون المضار مجتمعة متوالية وثالثها أنها زِينَة ُ وهذا دأب النساء لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح وعمارة البناء المشرف على أن يصير خراباً والاجتهاد في تكميل الناقص ومن المعلوم أن العرضي لا يقاوم الذاتي فإذا كانت الدنيا منقضية لذاتها فاسدة لذاتها فكيف يتمكن العاقل من إزالة هذه المفاسد عنها قال ابن عباس المعنى أن الكافر يشتغل طول حياته بطلب زينة الدنيا دون العمل للآخرة وهذا كما قيل حياتك يا مغرور سهو وغفلة
ورابعها شَهَادَة ُ بَيْنِكُمْ بالصفات الفانية الزائلة وهو إما التفاخر بالنسب أو التفاخر بالقدرة والقوة والعساكر وكلها ذاهبة وخامسها قوله وَتَكَاثُرٌ فِى الاْمْوالِ وَالاْوْلْادِ قال ابن عباس يجمع المال في


الصفحة التالية
Icon