سخط الله ويتباهى به على أولياء الله ويصرفه في مساخط الله فهو ظلمات بعضها فوق بعض وأنه لا وجه بتبعية أصحاب الدنيا يخرج عن هذه الأقسام وبين أن حال الدنيا إذا لم يخل من هذه الوجوه فيجب أن يعدل عنها إلى ما يؤدي إلى عمارة الآخرة ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلاً فقال كَمَثَلِ غَيْثٍ يعني المطر ونظيره قوله تعالى وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا كَمَاء ( الكهف ٤٥ ) والكاف في قوله كَمَثَلِ غَيْثٍ موضعة رفع من وجهين أحدهما أن يكون صفة لقوله لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَة ٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ والآخر أن يكون خبراً بعد خبر قاله الزجاج وقوله أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ فيه قولان الأول قال ابن مسعود المراد من الكفار الزراع قال الأزهري والعرب تقول للزارع كافر لأنه يكفر البذر الذي يبذره بتراب الأرض وإذا أعجب الزراع نباته مع علمهم به فهو في غاية الحسن الثاني أن المراد بالكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين لأنهم لا يرون سعادة سوى سعادة الدنيا وقوله نَبَاتُهُ أي ما نبت من ذلك الغيث وباقي الآية مفسر في سورة الزمر
ثم إنه تعالى ذكر بعده حال الآخرة فقال وَفِى الاْخِرَة ِ عَذَابٌ شَدِيدٌ أي لمن كانت حياته بهذه الصفة ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته وذلك لأنه لما وصف الدنيا بالحقارة وسرعة الانقضاء بين أن الآخرة إما عذاب شديد دائم وإما رضوان وهو أعظم درجات الثواب ثم قال وَما الْحَيَواة ُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ يعني لمن أقبل عليها وأعرض بها عن طلب الآخرة قال سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم الوسيلة
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَة ٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّة ٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ والأرض أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ثم قال تعالى سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَة ٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّة ٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالاْرْضِ والمراد كأنه تعالى قال لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة
واعلم أنه تعالى أمر بالمسارعة في قوله وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة ٍ مّن رَّبّكُمْ ثم شرح ههنا كيفية تلك المسارعة فقال سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم في المضمار وقوله وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة ٍ فيه مسألتان
المسألة الأولى لا شك أن المراد منه المسارعة إلى ما يوجب المغفرة فقال قوم المراد سابقوا إلى التوبة وقال آخرون المراد سابقوا إلى سائر ما كلفتم به فدخل فيه التوبة وهذا أصح لأن المغفرة والجنة لا ينالان إلا بالانتهاء عن جميع المعاصي والاشتغال بكل الطاعات
المسألة الثانية احتج القائلون بأن الأمر يفيد الفور بهذه الآية فقالوا هذه الآية دلت على وجوب المسارعة فوجب أن يكون التراخي محظوراً أما قوله تعالى وَجَنَّة ٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالاْرْضِ وقال في آل عمران وَجَنَّة ٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( آل عمران ١٣٣ ) فذكروا فيه وجوهاً أحدها أن السموات السبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح وألزق بعضها ببعض لكانت الجنة في عرضها هذا قول مقاتل وثانيها قال عطاء ( عن ) ابن عباس يريد أن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه الصفة وثالثها قال السدي إن الله


الصفحة التالية
Icon