هذا العالم السفلي بواسطة الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية فتصوراتها لانسياق تلك الأسباب إلى المسببات هو المراد من قوله تعالى إِلاَّ فِى كِتَابٍ
المسألة الثانية استدل جمهور أهل التوحيد بهذه الآية على أنه تعالى عالم بالأشياء قبل وقوعها خلافاً لهشام بن الحكم ووجه الاستدلال أنه تعالى لما كتبها في الكتاب قبل وقوعها وجاءت مطابقة لذلك الكتاب علمنا أنه تعالى عالماً بها بأسرها
المسألة الثالثة قوله وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ يتناول جميع مصائب الأنفس فيدخل فيها كفرهم ومعاصيهم فالآية دالة على أن جميع أعمالهم بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ ومثبتة في علم الله تعالى فكان الامتناع من تلك الأعمال محالاً لأن علم الله بوجودها مناف لعدمها والجمع بين المتنافيين محال فلما حصل العلم بوجودها وهذا العلم ممتنع الزوال كان الجمع بين عدمها وبين علم الله بوجودها محالاً
المسألة الرابعة أنه تعالى لم يقل إن جميع الحوادث مكتوبة في الكتاب لأن حركات أهل الجنة والنار غير متناهية فإثباتها في الكتاب محال وأيضاً خصص ذلك بالأرض والأنفس وما أدخل فيها أحوال السموات وأيضاً خصص ذلك بمصائب الأرض والأنفس لا بسعادات الأرض والأنفس وفي كل هذه الرموز إشارات وأسرار أما قوله مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا فقد اختلفوا فيه فقال بعضهم من قبل أن نخلق هذه المصائب وقال بعضهم بل المراد الأنفس وقال آخرون بل المراد نفس الأرض والكل محتمل لأن ذكر الكل قد تقدم وإن كان الأقرب نفس المصيبة لأنها هي المقصود وقال آخرون المراد من قبل أن نبرأ المخلوقات والمخلوقات وإن لم يتقدم ذكرها إلا أنها لظهورها يجوز عود الضمير إليها كما في قوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ( يوسف ٢ )
ثم قال تعالى إِنَّ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وفيه قولان أحدهما إن حفظ ذلك على الله هين والثاني إن إثبات ذلك على كثرته في الكتاب يسير على الله وإن كان عسيراً على العباد ونظير هذه الآية قوله وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( فاطر ١١ )
ثم قال تعالى
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وفيه مسائل
المسألة الأولى هذه اللام تفيد جعل أول الكلام سبباً لآخره كما تقول قمت لأضربك فإنه يفيد أن القيام سبب للضرب وههنا كذلك لأنه تعالى بين أن إخبار الله عن كون هذه الأشياء واقعة بالقضاء والقدر ومثبتة في الكتاب الذي لا يتغير يوجب أن لا يشتد فرح الإنسان بما وقع وأن لا يشتد حزنه بما لم يقع وهذا هو المراد بقوله عليه السلام ( من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ) وتحقيق الكلام فيه أن على مذهب أهل السنة أن وقوع كل ما وقع واجب وعدم كل ما لم يقع واجب أيضاً لأسباب أربعة أحدها أن الله تعالى علم وقوعه فلو لم يقع انقلب العلم جهلاً ثانيها أن الله أراد وقوعه فلو لم يقع انقلبت


الصفحة التالية
Icon