ثم قال تعالى
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ
وفيه مسائل
المسألة الأولى في الآية قولان الأول أن هذا بدل من قوله كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ كأنه قال لا يحب المختال ولا يحب الذين يبخلون يريد الذين يفرحون الفرح المطغى فإذا رزقوا مالاً وحظاً من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يبخلون به ولا يكفيهم أنهم بخلوا به بل يأمرون الناس بالبخل به وكل ذلك نتيجة فرحهم عند إصابته ثم قال بعد ذلك وَمَن يَتَوَلَّ عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي فإن الله غني عنه القول الثاني أن قوله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله وهو في صفة اليهود الذين كتموا صفة محمد ( ﷺ ) ويخلوا ببيان نعته وهو مبتدأ وخبره محذوف دل عليه قوله وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ وحذف الخبر كثير في القرآن كقوله وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ
المسألة الثانية قال أبو علي الفارسي قرأ نافع وابن عامر فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ وحذفوا لفظ هُوَ وكذلك هُوَ في مصاحف أهل المدينة والشأم وقرأ الباقون هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ قال أبو علي ينبغي أن هو في هذه الآية فصلاً لا مبتدأ لأن الفصل حذفه أسهل ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب وقد يحذف فلا يخل بالمعنى كقوله إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا ( الكهف ٣٩ )
المسألة الثالثة قوله فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ معناه أن الله غني فلا يعود ضرر عليه ببخل ذلك البخيل وقوله الْحَمِيدِ كأنه جواب عن السؤال يذكر ههنا فإنه يقال لما كان تعالى عالماً بأنه يبخل بذلك المال ولا يصرفه إلى وجوه الطاعات فلم أعطاه ذلك المال فأجاب بأنه تعالى حميد في ذلك الإعطاء ومستحق حيث فتح عليه أبواب رحمته ونعمته فإن قصر العبد في الطاعة فإن وباله عائد إليه
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِى ٌّ عَزِيزٌ
ثم قال تعالى لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وفي تفسير البينات قولان الأول وهو قول مقاتل بن سليمان إنها هي المعجزات الظاهرة والدلائل القاهرة والثاني وهو قول مقاتل بن حيان أي أرسلناهم بالأعمال التي تدعوهم إلى طاعة الله وإلى الإعراض عن غير الله والأول هو الوجه الصحيح لأن نبوتهم إنما ثبتت بتلك المعجزات
ثم قال تعالى وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
واعلم أن نظير هذه الآية قوله اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ ( الشورى ١٧ ) وقال وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ


الصفحة التالية
Icon