ورابعها أن الذين لم يرعوها حق رعايتها هم الذين أدركوا محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يؤمنوا به وقوله ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءاثَارِهِم بِرُسُلِنَا أي الذين آمنوا بمحمد وكثير منهم فاسقون يعني الذين لم يؤمنوا به ويدل على هذا ما روي أنه عليه السلام قال ( من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون ) وخامسها أن الصالحين من قوم عيسى عليه السلام ابتدعوا الرهبانية وانقرضوا عليها ثم جاء بعدهم قوم اقتدوا بهم في اللسان وما كانوا مقتدين بهم في العمل فهم الذين ما رعوها حق رعايتها قال عطاء لم يرعوها كما رعاها الحواريون ثم قال وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ والمعنى أن بعضهم قام برعايتها وكثير منهم أظهر الفسق وترك تلك الطريقة ظاهراً وباطناً
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
اعلم أنه لما قال في الآية الأولى ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءاثَارِهِم أي من قوم عيسى أَجْرَهُمْ ( الحديد ٢٧ ) قال في هذه الآية ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ والمراد به أولئك فأمرهم أن يتقوا الله ويؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ثم قال يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي نصيبين من رحمته لإيمانكم أولاً بعيسى وثانياً بمحمد عليه الصلاة والسلام ونظيره قوله تعالى أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ( القصص ٥٤ ) عن ابن عباس أنه نزل في قوم جاءوا من اليمن من أهل الكتاب إلى الرسول وأسلموا فجعل الله لهم أجرين وههنا سؤالان
السؤال الأول ما الكفل في اللغة الجواب قال المؤرج الكفل النصيب بلغة هذيل وقال غيره بل هذه لغة الحبشة وقال المفضل بن مسلمة الكفل كساء يديره الراكب حول السنام حتى يتمكن من القعود على البعير
السؤال الثاني أنه تعالى لما آتاهم كفلين وأعطى المؤمنين كفلاً واحداً كان حالهم أعظم والجواب روى أن أهل الكتاب افتخروا بهذا السبب على المسلمين وهو ضعيف لأنه لا يبعد أن يكون النصيب الواحد أزيد قدراً من النصيبين فإن المال إذا قسم بنصفين كان الكفل الواحد نصفاً وإذا قسم بمائة قسم كان الكفل الواحد جزء من مائة جزء فالنصيب الواحد من القسمة الأولى أزيد من عشرين نصيباً من القسمة الثانية فكذا ههنا ثم قال تعالى وَيَجْعَل لَّكُمْ أي يوم القيامة نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وهو النور المذكور في قوله يَسْعَى نُورُهُم ( الحديد ١٢ ) وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما أسلفتم من المعاصي وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَى ْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
فيه مسألتان
المسألة الأولى قال الواحدي هذه آية مشكلة وليس للمفسرين فيها كلام واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها


الصفحة التالية
Icon