ولا من الطاعات المندوبة بل قد بينا أنهم إنما كلفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة ولما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة لم يكن تركها سبباً للطعن
المسألة الرابعة روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال لما نزلت الآية دعاني رسول الله ( ﷺ ) فقال ( ما تقول في دينار قلت لا يطيقونه قال كم قلت حبة أو شعيرة قال إنك لزهيد ) والمعنى إنك قليل المال فقدرت على حسب حالك
أما قوله تعالى ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ أي ذلك التقديم في دينكم وأطهر لأن الصدقة طهرة
أما قوله فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فالمراد منه الفقراء وهذا يدل على أن من لم يجد ما يتصدق به كان معفواً عنه
المسألة الخامسة أنكر أبو مسلم وقوع النسخ وقال إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات وإن قوماً من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهراً وباطناً إيماناً حقيقياً فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين فأمر بتقديم الصدقة على النجوى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيماناً حقيقياً عمن بقي على نفاقه الأصلي وإذا كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت وحاصل قول أبي مسلم أن ذلك التكليف كان مقدراً بغاية مخصوصة فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة فلا يكون هذا نسخاً وهذا الكلام حسن ما به بأس والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله أَءشْفَقْتُمْ ومنهم من قال إنه منسوخ بوجوب الزكاة
أَءَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَى ْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلواة َ وَءَاتُواْ الزَّكَواة َ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
والمعنى أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من إنفاق المال فإذ لم تفعلوا ما أمرتم به وتاب الله عليكم ورخص لكم في أن لا تفعلوه فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات فإن قيل ظاهر الآية يدل على تقصير المؤمنين في ذلك التكليف وبيانه من وجوه أولها قوله أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ وهو يدل على تقصيرهم وثانيها قوله فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وثالثها قوله وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قلنا ليس الأمر كما قلتم وذلك لأن القوم لما كلفوا بأن يقدموا الصدقة ويشغلوا بالمناجاة فلا بد من تقديم الصدقة فمن ترك


الصفحة التالية
Icon