وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الاٌّ خِرَة ِ عَذَابُ النَّارِ
معنى الجلاء في اللغة الخروج من الوطن والتحول عنه فإن قيل أن لَوْلاَ تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره فيلزم من ثبوت الجلاء عدم التعذيب في الدنيا لكن الجلاء نوع من أنواع التعذيب فإذاً يلزم من ثبوت الجلاء عدمه وهو محال قلنا معناه ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا بالقتل كمافعل بإخوانهم بني قريظة وأما قوله وَلَهُمْ فِى الاْخِرَة ِ عَذَابُ النَّارِ فهو كلام مبتدأ وغير معطوف على ما قبله إذ لو كان معطوفاً على ما قبله لزم أن لا يوجد لما بينا أن ( لولا ) تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشرط
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
أما قوله تعالى ذالِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فهو يقتضي أن علة ذلك التخريب هو مشاقة الله ورسوله فإن قيل لو كانت المشاقة علة لهذا التخريب لوجب أن يقال أينما حصلت هذه المشاقة حصل التخريب ومعلوم أنه ليس كذلك قلنا هذا أحد ما يدل على أن تخصيص العلة المنصوصة لا يقدح في صحتها
ثم قال وَمَن يُشَاقّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ والمقصود منه الزجر
مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَة ٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَة ً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِى َ الْفَاسِقِينَ
فيه مسائل
المسألة الأولى مّن لّينَة ٍ بيان لِ مَا قَطَعْتُمْ ومحل مَا نصب بقطعتم كأنه قال أي شيء قطعتم وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لأنه في معنى اللينة
المسألة الثانية قال أبو عبيدة اللينة النخلة ما لم تكن عجوة أو برنية وأصل لينة لونة فذهبت الواو لكسرة اللام وجمعها ألوان وهي النخل كله سوى البرني والعجوة وقال بعضهم اللينة النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين وجمعها لين فإن قيل لم خصت اللينة بالقطع قلنا إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد
المسألة الثالثة قال صاحب الكشاف قرىء ( قوماً على أصلها ) وفيه وجهان أحدهما أنه جمع أصل كرهن ورهن واكتفى فيه بالضمة عن الواو وقرىء ( قائماً على أصوله ) ذهاباً إلى لفظ ما وقوله فَبِإِذْنِ اللَّهِ أي قطعها بإذن الله وبأمره وَلِيُخْزِى َ الْفَاسِقِينَ أي ولأجل إخزاء الفاسقين أي اليهود أذن الله في قطعها
المسألة الرابعة روي أنه عليه الصلاة والسلام حين أمر أن يقطع نخلهم ويحرق قالوا يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها وكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء فنزلت هذه الآية والمعنى أن الله إنما أذن في ذلك حتى يزداد غيظ الكفار وتتضاعف حسرتهم بسبب نفاذ


الصفحة التالية
Icon