وثانيها جعلوا الإيمان مستقراً ووطناً لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه كما أنهم لما سألوا سلمان عن نسبه فقال أنا ابن الإسلام وثالثها أنه سمى المدينة بالإيمان لأن فيها ظهر الإيمان وقوي والجواب عن السؤال الثاني من وجهين الأول أن الكلام على التقديم والتأخير والتقدير والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان والثاني أنه على تقدير حذف المضاف والتقدير تبوءوا الدار والإيمان من قبل هجرتهم ثم قال وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَة ً مّمَّا أُوتُواْ وقال الحسن أي حسداً وحرارة وغيظاً مما أوتي المهاجرون من دونهم وأطلق لفظ الحاجة على الحسد والغيظ والحرارة لأن هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللام على الملزوم على سبيل الكناية ثم قال وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ٌ يقال آثره بكذا إذا خصه به ومفعول الإيثار محذوف والتقدير ويؤثرونهم بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم عن ابن عباس أن النبي ( ﷺ ) قال للأنصار ( إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم وقسمت لكم من الغنيمة كما قسمت لهم وإن شئتم كان لهم الغنيمة ولكم دياركم وأموالكم فقالوا لا بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم في الغنيمة ) فأنزل الله تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ٌ فبين أن هذا الإيثار ليس غنى عن المال ولكنه عن حاجة وخصاصة وهي الفقر وأصلها من الخصاص وهي الفرج وكل خرق في منخل أو باب أو سحاب أو برقع فهي خصاص الواحد خصاصة وذكر المفسرون أنواعاً من إيثار الأنصار للضيف بالطعام وتعللهم عنه حتى يشبع الضيف ثم ذكروا أن الآية نزلت في ذلك الإيثار والصحيح أنها نزلت بسبب إيثارهم المهاجرين بالفيء ثم لا يمتنع أن يدخل فيها سائر الإيثارات ثم قال وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الشح بالضم والكسر وقد قرىء بهما
واعلم أن الفرق بين الشح والبخل هو أن البخل نفس المنع والشح هو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع فلما كان الشح من صفات النفس لا جرم قال تعالى وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بما أرادوا قال ابن زيد من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عن أخذه ولم يمنع شيئاً أمره الله بإعطائه فقد وقى شح نفسه
وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
اعلم أن قوله وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ عطف أيضاً على المهاجرين وهم الذين هاجروا من بعد وقيل التابعون بإحسان وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة وذكر تعالى أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان وهو قوله يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ أي غشاً وحسداً وبغضاً
واعلم أن هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين لأنهم إما المهاجرون أ الأنصار أو الذين جاءوا من


الصفحة التالية
Icon