ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلاً فقال
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّنكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
أي مثل المنافقين الذين غروا بني النضير بقولهم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ( الحشر ١١ ) ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ ثم تبرأ منه في العاقبة والمراد إما عموم دعوة الشيطان إلى الكفر وإما إغواء الشيطان قريشاً يوم بدر بقوله لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ إِلَى قَوْلُهُ إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ ( الأنفال ٤٨ ) ثم قال
( ١٧ )
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى قال مقاتل فكان عاقبة المنافقين واليهود مثل عاقبة الشيطان والإنسان حيث صارا إلى النار
المسألة الثانية قال صاحب الكشاف قرأ ابن مسعود ( خالدان فيها ) على أنه خبران و ( في النار ) لغو وعلى القراءة المشهورة الخبر هو الظرف وَأَنزَلْنَا فِيهَا حال وقرىء عَاقِبَتَهُمَا بالرفع ثم قال وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ أي المشركين لقوله تعالى إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان ١٣ )
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ثم إنه تعالى رجع إلى موعظة المؤمنين فقال الظَّالِمِينَ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ الغد يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريباً له ثم ذكر النفس والغد على سبيل التنكير أما الفائدة في تنكير النفس فاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره كأنه قيل الغد لا يعرف كنهه لعظمه
ثم قال وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ كرر الأمر بالتقوى تأكيداً أو يحمل الأول على أداء الواجبات والثاني على ترك المعاصي
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
ثم قال تعالى وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ وفيه وجهان الأول قال المقاتلان نسوا حق الله فجعلهم ناسين حق أنفسهم حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده الثاني فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أي أراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم كقوله لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ ( إبراهيم ٤٣ ) وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ( الحج ٢ )
ثم قال أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ والمقصود منه الذم واعلم أنه تعالى لما أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة بقوله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ( الحشر ١٨ ) وهدد الكافرين بقوله كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ بين الفرق بين الفريقين فقال


الصفحة التالية
Icon