وقوله السَّلَامُ فيه وجهان الأول أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليماً من النقائص كما يقال رجاء وغياث وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لايبقى بين القدوس وبين السلام فرق والتكرار خلاف الأصل قلنا كونه قدوساً إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر كونه سليماً إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليماً الثاني أنه سلام بمعنى كونه موجباً للسلامة
وقوله الْمُؤْمِنُ فيه وجهان الأول أنه الذي آمن أولياءه عذابه يقال آمنه يؤمنه فهو مؤمن والثاني أنه المصدق إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم أو لأجل أن أمة محمد ( ﷺ ) يشهدون لسائر الأنبياء كما قال لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ( البقرة ١٤٣ ) ثم إن الله يصدقهم في تلك الشهادة وقرىء بفتح الميم يعني المؤمن به على حذف الجار كما حذف في قوله وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ( الأعراف ١٥٥ )
وقوله الْمُهَيْمِنُ قالوا معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء ثم في أصله قولان قال الخليل وأبو عبيدة هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيب على الشيء وقال آخرون مهيمن أصله مؤيمن من آمن يؤمن فيكون بمعنى المؤمن وقد تقدم استقصاؤه عند قوله وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ( المائدة ٤٨ ) وقال ابن الأنباري المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد ألا إن خير الناس بعد نبيه
مهيمنه التاليه في العرف والنكر
قال معناه القائم على الناس بعده
وما الْعَزِيزُ فهو إما الذي لا يوجد له نظير وإما الغالب القاهر
وأما الْجَبَّارُ ففيه وجوه أحدها أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير قال الأزهري وهو لعمري جابر كل كسير وفقير وهو جابر دينه الذي ارتضاه قال العجاج قد جبر الدين الإله فجبر
والثاني أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده قال السدي إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده قال الأزهري هي لغة تميم وكثير من الحجازيين يقولونها وكان الشافعي يقول جبره السلطان على كذا بغير ألف وجعل الفراء الجبار بهذا معنى من أجبره وهي اللغة المعروفة في الإكراه فقال لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين وهما جبار من أجبر ودراك من أدرك وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث قال ابن الأنباري الجبار في صفة الله الذي لا ينال ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول جبارة الرابع قال ابن عباس الجبار هو الملك العظيم قال الواحدي هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله وللجبار معان في صفة الخلق أحدها المسلط كقوله وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ( ق ٤٥ ) والثاني العظيم الجسم كقوله إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ( المائدة ٢٢ ) والثالث المتمرد عن عبادة الله كقوله وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً مريم ٣٢ ) والرابع القتال كقوله بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ( الشعراء ١٣٠ ) وقوله إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الاْرْضِ ( القصص ١٩ )


الصفحة التالية
Icon