فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم فنزلت وأما تفسير الآية فالخطاب في ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ قد مر وكذلك في الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات كما ذهب إليه المعتزلة وأما قوله تعالى لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ فاتخذ يتعدى إلى مفعولين وهما عدوي وأولياء والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد والعداوة ضد الصداقة وهما لا يجتمعان في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان وعن الزجاج والكرابيسي عَدُوّى أي عدو ديني وقال عليه السلام ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) وقال عليه السلام لأبي ذر ( يا أبا ذر أي عرا الإيمان أوثق فقال الله ورسوله أعلم فقال الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله ) وقوله تعالى تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّة ِ فيه مسألتان
المسألة الأولى قوله تُلْقُونَ بماذا يتعلق نقول فيه وجوه الأول قال صاحب النظم هو وصف النكرة التي هي أولياء قاله الفراء والثاني قال في الكشاف يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالاً من ضميره وأولياء صفة له الثالث قال ويجوز أن يكون استئنافاً فلا يكون صلة لأولياء والباء في المودة كهي في قوله تعالى وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ( الحج ٢٥ ) والمعنى تلقون إليهم أخبار النبي ( ﷺ ) وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ويدل عليه تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّة ِ
المسألة الثانية في الآية مباحث الأول اتخاذ العدو ولياً كيف يمكن وقد كانت العداوة منافية للمحبة والمودة والمحبة المودة من لوازم ذلك الاتخاذ نقول لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر والمحبة والمودة بالنسبة إلى أمر آخر ألا ترى إلى قوله تعالى إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ ( التغابن ١٤ ) والنبي ( ﷺ ) قال ( أولادنا أكبادنا ) الثاني لما قال عَدُوّى فلم لم يكتف به حتى قال وَعَدُوَّكُمْ لأن عدو الله إنما هو عدو المؤمنين نقول الأمر لازم من هذا التلازم وإنما لا يلزم من كونه عدواً للمؤمنين أن يكون عدواً لله كما قال إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ الثالث لم قال عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ ولم يقل بالعكس فنقول العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبة الله تعالى ومحبة رسوله فتكون محبة العبد من أهل الإيمان لحضرة الله تعالى لعلة ومحبة حضرة الله تعالى للعبد لا لعلة لما أنه غني على الإطلاق فلا حاجة به إلى الغير أصلاً والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة ولأن الشيء إذا كان له نسبة إلى الطرفين فالطرف الأعلى مقدم على الطرف الأدنى الرابع قال أَوْلِيَاء ولم يقل ولياً والعدو والولي بلفظ فنقول كما أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد فكذلك المعرف بالإضافة الخامس منهم من قال الباء زائدة وقد مر أن الزيادة في القرآن لا تمكن والباء مشتملة على الفائدة فلا تكون زائدة في الحقيقة


الصفحة التالية
Icon