ثم إنه أخبر المؤمنين بعداوة كفار أهل مكة فقال
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّو ءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم ويتمكنوا منكم يَكُونُواْ لَكُمْ في غاية العداوة وهو قول ابن عباس وقال مقاتل يظهروا عليكم يصادقوكم وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالضرب وَأَلْسِنَتَهُمْ بالشتم وَوَدُّواْ أن ترجعوا إلى دينهم والمعنى أن أعداء الله لا يخلصون المودة لأولياء الله لما بينهم من المباينة لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ لما عوتب حاطب على ما فعل اعتذر بأن له أرحاماً وهي القرابات والأولاد فيما بينهم وليس له هناك من يمنع عشيرته فأراد أن يتخذ عندهم يداً ليحسنوا إلى من خلفهم بمكة من عشيرته فقال لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم مخافة عليهم ثم قال يَوْمَ الْقِيَامَة ِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وبين أقاربكم وأولادكم فيدخل أهل الإيمان الجنة وأهل الكفر النار وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي بما عمل حاطب ثم في الآية مباحث
الأول ما قاله صاحب الكشاف إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء كيف يورد جواب الشرط مضارعاً مثله ثم قال وَوَدُّواْ بلفظ الماضي نقول الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة كأنه قيل وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم
الثاني يَوْمُ الْقِيَامَة ِ ظرف لاي شيء قلنا لقوله لَن تَنفَعَكُمْ أو يكون ظرفاً ليفصل وقرأ ابن كثير يُفَصّلُ بضم الياء وفتح الصاد و يُفَصّلُ على البناء للفاعل وهو الله و ( نفصل ) و ( نفصل ) بالنون
الثالث قال تعالى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ولم يقل خبير مع أنه أبلغ في العلم بالشيء والجواب أن الخبير أبلغ في العلم والبصير أظهر منه فيه لما أنه يجعل عملهم كالمحسوس بحس البصر والله أعلم
ثم قال تعالى
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة ٌ حَسَنَة ٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة ُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لاًّبِيهِ لاّسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَى ْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
اعلم أن الأسوة ما يؤتسى به مثل القدوة لما يقتدى به يقال هو أسوتك أي أنت مثله وهو مثلك وجمع الأسوة أسى فالأسوة اسم لكل ما يقتدى به قال المفسرون أخبر الله تعالى أن إبراهيم وأصحابه تبرءوا من قومهم وعادوهم وقالوا لهم أَنَاْ بَرَاء مّنكُمْ وأمر أصحاب رسول الله ( ﷺ ) أن يأنسوا بهم وبقوله قال الفراء يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم في التبرئة من أهله في قوله تعالى إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بَرَاء مّنكُمْ وقوله تعالى إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لاِبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وهو مشرك وقال مجاهد نهوا أن يتأسوا باستغفار


الصفحة التالية
Icon