فتسميه أهل مكة المرصوص وقال أبو إسحق أعلم الله تعالى أنه يحب من يثبت في الجهاد ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص وقال ويجوز أن يكون على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم بعضاً كالبنيان المرصوص وقيل ضرب هذا المثل للثبات يعني إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الثابت المستقر وقيل فيه دلالة على فضل القتال راجلاً لأن العرب يصطفون على هذه الصفة ثم المحبة في الظاهر على وجهين أحدهما الرضا عن الخلق وثانيها الثناء عليهم بما يفعلون ثم ما وجه تعلق الآية بما قبلها وهو قوله تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن نقول تلك الآية مذمة المخالفين في القتال وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا وهذه الآية محمدة الموافقين في القتال وهم الذين قاتلوا في سبيل الله وبالغوا فيه
ثم قال تعالى
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ياقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
معناه اذكر لقومك هذه القصة و إِذْ منصوب بإضمار اذكر أي حين قال لهم تُؤْذُونَنِى وكانوا يؤذونه بأنواع الأذى قولاً وفعلاً فقالوا أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَة ً ( النساء ١٥٣ ) لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ واحِدٍ ( البقرة ٦١ ) وقيل قد رموه بالأدرة وقوله تعالى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللَّهِ في موضع الحال أي تؤذونني عالمين علماً قطعياً أني رسول الله وقضية علمكم بذلك موجبة للتعظيم والتوقير وقوله فَلَمَّا زَاغُواْ أي مالوا إلى غير الحق أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي أمالها عن الحق وهو قول ابن عباس وقال مقاتل زَاغُواْ أي عدلوا عن الحق بأبدانهم أَزَاغَ اللَّهُ أي أمال الله قلوبهم عن الحق وأضلهم جزاء ما عملوا ويدل عليه قوله تعالى وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ قال أبو إسحق معناه والله لا يهدي من سبق في عمله أنه فاسق وفي هذا تنبيه على عظيم إيذاء الرسول ( ﷺ ) حتى إنه يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى وَقَدْ معناه التوكيد كأنه قال وتعلمون علماً يقينياً لا شبهة لكم فيه
ثم قال تعالى
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يابَنِى إِسْرَاءِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَى َّ مِنَ التَّوْرَاة ِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
قوله إِنّى رَسُولُ اللَّهِ أي اذكروا أني رسول الله أرسلت إليكم بالوصف الذي وصفت به في التوراة ومصدقاً بالتوراة وبكتب الله وبأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يصدق بالتوراة على مثل