فإنه قرأهما بالياء على المغايبة فمن قرأ على الخطاب فهو عطف على قوله بِمَا تُبْصِرُونَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( الحاقة ٣٨ ٣٩ ) ومن قرأ على المغايبة سلك فيه مسلك الالتفات
المسألة الثانية قالوا لفظة ما في قوله قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ لغو وهي مؤكدة وفي قوله قَلِيلاً وجهان الأول قال مقاتل يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله والمعنى لا يؤمنون أصلاً والعرب يقولون قلما يأتينا يريدون لا يأتينا الثاني أنهم قد يؤمنون في قلوبهم إلا أنهم يرجعون عنه سريعاً ولا يتمون الاستدلال ألا ترى إلى قوله إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ إلا أنه في آخر الأمر قال إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ( المدثر ٢٤ )
المسألة الثالثة ذكر في نفي الشاعرية قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وفي نفي الكاهنية مَّا تَذَكَّرُونَ والسبب فيه كأنه تعالى قال ليس هذا القرآن قولاً من رجل شاعر لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون أي لا تقصدون الإيمان فلذلك تعرضون عن التدبر ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم إنه شاعر لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر ولا أيضاً بقول كاهن لأنه وارد بسبب الشياطين وشتمهم فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين إلا أنكم لا تتذكرون كيفية نظم القرآن واشتماله على شتم الشياطين فلهذا السبب تقولون إنه من باب الكهانة
بم قوله تعالى
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
اعلم أن نظير هذه الآية قوله في الشعراء أَنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ( الشعراء ١٩٢ ١٩٤ ) فهو كلام رب العالمين لأنه تنزيله وهو قول جبريل لأنه نزل به وهو قول محمد لأنه أنذر الخلق به فههنا أيضاً لما قال فيما تقدم إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( الحاقة ٤٠ ) أتبعه بقوله تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ حتى يزول الإشكال وقرأ أبو السمال تنزيلاً أي نزل تنزيلاً
ثم قال تعالى
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاٌّ قَاوِيلِ
قرىء وَلَوْ تَقَوَّلَ على البناء للمفعول التقول افتعال القول لأن فيه تكلفاً من المفتعل وسمي الأقوال المنقولة أقاويل تحقيراً لها كقولك الأعاجيب والأضاحيك كأنها جمع أفعولة من القول والمعنى ولو نسب إلينا قولاً لم نقله
ثم قال تعالى
لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى في الآية وجوه الأول معناه لأخذنا بيده ثم لضربنا رقبته وهذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم فإنهم لا يمهلونه بل يضربون رقبته في الحال وإنما خص اليمين بالذكر لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يلحقه بالسيف وهو أشد على المعمول به ذلك العمل لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعناه لأخذنا بيمينه


الصفحة التالية
Icon