قلت بصرني زيداً فهذا هو معنى يبصرونهم وإنما جمع فقيل يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفرداً في اللفظ فالمراد به الكثرة والجميع والدليل عليه قوله تعالى فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( الشعراء ١٠٠ ) ومعنى يبصرونهم يعرفونهم أي يعرف الحميم الحميم حتى يعرفه وهو مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه فإن قيل ما موضع يبصرونهم قلنا فيه وجهان الأول أنه متعلق بما قبله كأنه لما قال وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ( المعارج ١٠ ) قيل لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم ولكنهم لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكنون من تساؤلهم الثاني أنه متعلق بما بعده والمعنى أن المجرمين يبصرون المؤمنين حال ما يود أحدهم أن يفدي نفسه لكل ما يملكه فإن الإنسان إذا كان في البلاد الشديد ثم رآه عدوه على تلك الحالة كان ذلك في نهاية الشدة عليه
الصفة الرابعة قوله يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وفيه مسألتان
المسألة الأولى المجرم هو الكافر وقيل يتناول كل مذنب
المسألة الثانية قرىء يَوْمَئِذٍ بالجر والفتح على البناء لسبب الإضافة إلى غير متمكن وقرىء أيضاً مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بتنوين عَذَابِ ونصب يَوْمَئِذٍ وانتصابه بعذاب لأنه في معنى تعذيب
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُأوِيهِ وَمَن فِى الأرض جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ
فصيلة الرجل أقاربه الأقربون الذين فصل عنهم وينتهي إليهم لأن المراد من الفصيلة المفصولة لأن الولد يكون منفصلاً من الأبوين قال عليه السلام ( فاطمة بضعة مني ) فلما كان هو مفصولاً منهما كانا أيضاً مفصولين منه فسميا فصيلة لهذا السبب وكان يقال للعباس فصيلة النبي ( ﷺ ) لأن العم قائم مقام الأب وأما قوله تُوِيهِ فالمعنى تضمه انتماء إليها في النسب أو تمسكاً بها في النوائب
وقوله ثُمَّ يُنجِيهِ فيه وجهان الأول أنه معطوف على يَفْتَدِي ( المعارج ١١ ) والمعنى يود المجرم لو يفتدي بهذه الأشياء ثم ينجيه والثاني أنه متعلق بقوله وَمَن فِى الاْرْضِ والتقدير يود لو يفتدي بمن في الأرض ثم ينجيه و ثُمَّ لاستبعاد الإنجاء يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعاً تحت يده وبذلهم في فداء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه
بم قوله تعالى
كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَة ً لِّلشَّوَى
كَلاَّ ردع للمجرم عن كونه بحيث يود الافتداء ببنيه وعلى أنه لا ينفعه ذلك الافتداء ولا ينجيه من العذاب ثم قال أَنَّهَا وفيه وجهان الأول أن هذا الضمير للنار ولم يجر لها ذكر إلا أن ذكر العذاب دل عليها والثاني يجوز أن يكون ضمير القصة ولظى من أسماء النار قال الليث اللظى اللهب الخالص يقال لظت النار تلظى لظى وتلظت تلظياً ومنه قوله نَاراً تَلَظَّى ولظى علم للنار منقول من اللظى وهو معرفة لا ينصرف فلذلك لم ينون وقوله نَزَّاعَة ً مرفوعة وفي سبب هذا الارتفاع وجوه الأول أن تجعل الهاء في أنها عماد أو تجعل لظى اسم إن ونزاعة خبر إن كأنه قيل إن لظى نزاعة والثاني أن تجعل الهاء ضمير القصة ولظى مبتدأ ونزاعة خبراً وتجعل الجملة خبراً عن ضمير القصة والتقدير إن القصة لظى نزاعة للشوى والثالث أن ترتفع على الذم والتقدير إنها لظى وهي نزاعة للشوى وهذا قول الأخفش والفراء والزجاج وأما قراءة النصب


الصفحة التالية
Icon