جملة ما في هذا الباب وبعضها باطلة بدليل العقل فإنه لما ثبت أنه تعالى ليس بجسم بطل اتخاذ الصنم على صورة الإله وبطل القول أيضاً بالحلول والنزول ولما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات بطل القول بالوسايط والطلسمات ولما جاء الشرع بالمنع من اتخاذ الصنم بطل القول باتخاذها محاريب وشفعاء
المسألة السادسة هذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم ثم إنها انتقلت عن قوم نوح إلى العرب فكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير ولذلك سمت العرب بعبد ود وعبد يغوث هكذا قيل في الكتب وفيه إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان فكيف بقيت تلك الأصنام وكيف انتقلت إلى العرب ولا يمكن أن يقال إن نوحاً عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعياً منه في حفظها
المسألة السابعة قرىء لاَ تَذَرُنَّ وُدّاً بفتح الواو وبضم الواو قال الليث ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح ود بالضم صنم لقريش وبه سمي عمرو بن عبد ود وأقول على قول الليث وجب أن لا يجوز ههنا قراءة ود بالضم لأن هذه الآيات في قصة نوح لا في أحوال قريش وقرأ الأعمش وَلاَ بالصرف وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف إما التعريف ووزن الفعل وإما التعريف والعجمة فلعله صرفهما لأجل أنه وجد أخواتهما منصرفة ودا وسواعا ونسرا
واعلم أن نوحاً لما حكى عنهم أنهم قالوا لأتباعهم كُبَّاراً وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ قال وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً فيه وجهان الأول أولئك الرؤساء قد أضلوا كثيراً قبل هؤلاء الموصين ( بأن يتمسكوا ) بعبادة الأصنام وليس هذا أول مرة اشتغلوا بالإضلال الثاني يجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الأصنام كقوله إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ ( إبراهيم ٣٦ ) وأجرى الأصنام على هذا القول مجرى الآدميين كقوله أَلَهُمْ أَرْجُلٌ وأما قوله تعالى وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً ففيه سؤالان
الأول كيف موقع قوله وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ الجواب كأن نوحاً عليه السلام لما أطنب في تعديد أفعالهم المنكرة وأقوالهم القبيحة امتلأ قلبه غيظاً وغضباً عليهم فختم كلامه بأن دعا عليهم
السؤال الثاني إنما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله في أن يزيد في ضلالهم الجواب من وجهين الأول لعله ليس المراد الضلال في أمر الدين بل الضلال في أمر دنياهم وفي ترويج مكرهم وحيلهم الثاني الضلال العذاب لقوله إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ( القمر ٤٧ )
مِّمَّا خَطِي ئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً
ثم إنه تعالى لما حكى كلام نوح عليه السلام قال بعده مّمَّا خَطَايَاهُمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً وفيه مسائل
المسألة الأولى ( ما ) صلة كقوله فَبِمَا نَقْضِهِم ( النساء ١٥٥ ) فَبِمَا رَحْمَة ٍ ( النساء ١٥٩ ) والمعنى من خطاياهم أي من أجلها وبسببها وقرأ ابن مسعود مِنْ فأخر كلمة ما وعلى هذه القراءة لا تكون ما صلة زائدة لأن ما مع ما بعده في تقرير المصدر


الصفحة التالية
Icon