المسألة الثالثة اعلم أن قوله تعالى قُلْ أمر منه تعالى لرسوله أن يظهر لأصحابه ما أوحى الله في واقعة الجن وفيه فوائد إحداها أن يعرفوا بذلك أنه عليه السلام كما بعث إلى الإنس فقد بعث إلى الجن وثانيها أن يعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا بالرسول وثالثها أن يعلم القوم أن الجن مكلفون كالإنس ورابعها أن يعلم أن الجن يستمعون كلامنا ويفهمون لغاتنا وخامسها أن يظهر أن المؤمن منهم يدعو غيره من قبيلته إلى الإيمان وفي كل هذه الوجوه مصالح كثيرة إذا عرفها الناس
المسألة الرابعة الإيحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء كالإلهام وإنزال الملك ويكون ذلك في سرعة من قولهم الوحي الوحي والقراءة المشهورة أَوْحَى بالألف وفي رواية يونس وهرون عن أبي عمرو وَحْى ٌ بضم الواو بغير ألف وهما لغتان يقال وحي إليه وأوحى إليه وقرىء أحي بالهمز من غير واو وأصله وحي فقلبت الواو همزة كما يقال أعد وأزن نُسِفَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقّتَتْ ( المرسلات ١١ ) وقوله تعالى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فيه مسائل
المسألة الأولى أجمعوا على أن قوله أَنَّهُ اسْتَمَعَ بالفتح وذلك لأنه نائب فاعل أُوحِى َ فهو كقوله وَأُوحِى َ إِلَى هَاذَا الْقُرْءانُ ( الأنعام ١٩ ) وأجمعوا على كسر إنا في قوله إِنَّا سَمِعْنَا لأنه مبتدأ محكي بعد القول ثم ههنا قراءتان إحداهما أن نحمل البواقي على الموضعين اللذين بينا أنهم أجمعوا عليهما فما كان من الوحي فتح وما كان من قول الجن كسر وكلها من قول الجن إلا الآخرين وهما قوله وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ( الجن ١٨ ) وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ ( الجن ١٩ ) وثانيهما فتح الكل والتقدير فآمنا به وآمنا بأنه تعالى جد ربنا وبأنه كان يقول سفيهنا وكذا البواقي فإن قيل ههنا إشكال من وجهين أحدهما أنه يقبح إضافة الإيمان إلى بعض هذه السورة فإنه يقبح أن يقال وآمنا بأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً والثاني وهو أنه لا يعطف على الهاء المخفوضة إلا بإظهار الخافض لا يقال آمنا به وزيد بل يقال آمنا به وبزيد والجواب عن الإشكالين أنا إذا حملنا قوله آمنا على معنى صدقنا وشهدنا زال الإشكالان
المسألة الثانية نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ جماعة منهم ما بين الثلاثة إلى العشرة روي أن ذلك النفر كانوا يهوداً وذكر الحسن أن فيهم يهوداً ونصارى ومجوساً ومشركين ثم اعلم أن الجن حكوا أشياء
النوع الأول مما حكوه قوله تعالى فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَئَامَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَا أَحَداً أي قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله فَلَمَّا قُضِى َ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ( الأحقاف ٢٩ ) قُلْ أُوحِى َ أي خارجاً عن حد أشكاله ونظائره و ( عجباً ) مصدر يوضع موضع العجيب ولا شك أنه أبلغ من العجيب يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ أي إلى الصواب وقيل إلى التوحيد يَهْدِى إِلَى أي بالقرآن ويمكن أن يكون المراد فآمنا بالرشد الذي في القرآن وهو التوحيد وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَا أَحَداً أي ولن نعود إلى ما كنا


الصفحة التالية
Icon