( الزخرف ٣٣ ) واختار الزجاج الوجه الأول قال لأنه تعالى ذكر الطريقة معرفة بالألف واللام فتكون راجعة إلى الطريقة المعروفة المشهورة وهي طريقة الهدى والذاهبون إلى التأويل الثاني استدلوا عليه بقوله بعد هذه الآية لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فهو كقوله إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً ( آل عمران ١٧٨ ) ويمكن الجواب عنه أن من آمن فأنعم الله عليه كان ذلك الإنعام أيضاً ابتلاء واختباراً حتى يظهر أنه هل يشتغل بالشكر أم لا وهل ينفقه في طلب مراضي الله أو في مراضي الشهوة والشيطان وأما الذين قالوا الضمير عائد إلى الإنس فالوجهان عائدان فيه بعينه وههنا يكون إجراء قوله لاَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً على ظاهره أولى لأن انتفاع الإنس بذلك أتم وأكمل
المسألة الخامسة احتج أصحابنا بقوله لِنَفْتِنَهُمْ على أنه تعالى يضل عباده والمعتزلة أجابوا بأن الفتنة هي الاختبار كما يقال فتنت الذهب بالنار لاخلق الضلال واستدلت المعتزلة باللام في قوله لِنَفْتِنَهُمْ على أنه تعالى إنما يفعل لغرض وأصحابنا أجابوا أن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله وقوله تعالى وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ أي عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه يسلكه وقرىء بالنون مفتوحة ومضمومة أي ندخله عذاباً والأصل نسلكه في عذاب كقوله مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ( المدثر ٤٢ ) إلا أن هذه العبارة أيضاً مستقيمة لوجهين الأول أن يكون التقدير نسلكه في عذاب ثم حذف الجار وأوصل الفعل كقوله وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ( الأعراف ١٥٥ ) والثاني أن يكون معنى نسلكه أي ندخله يقال سلكه وأسلكه والصعد مصدر صعد يقال صعد صعداً وصعوداً فوصف به العذاب لأنه ( يصعد فوق طاقة ) المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ومنه قول عمر ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح يريد ما شق علي ولا غلبني وفيه قول آخر وهو ما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صعداً جبل في جهنم وهو صخرة ملساء فيكلف الكافر صعودها ثم يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة فإذا بلغ أعلاها جذب إلى أسفلها ثم يكلف الصعود مرة أخرى فهذا دأبه أبداً ونظير هذه الآية قوله تعالى سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ( المدثر ١٧ )
النوع الثالث من جملة الموحى قوله تعالى
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً
وفيه مسائل
المسألة الأولى التقدير قل أوحي إلي أن المساجد لله ومذهب الخليل أن التقدير ولأن المساجد لله فلا تدعوا فعلى هذا اللام متعلقة ( بلا تدعوا أي ) فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها لله خاصة ونظيره قوله وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ على معنى ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون أي لأجل هذا المعنى فاعبدون
المسألة الثانية اختلفوا في المساجد على وجوه أحدها وهو قول الأكثرين أنها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين وذلك أن أهل الكتاب يشركون في صلاتهم في البيع والكنائس فأمر الله المسلمين بالإخلاص والتوحيد وثانيها قال الحسن أراد بالمساجد البقاع كلها قال عليه الصلاة والسلام ( جعلت لي الأرض مسجداً ) كأنه تعالى قال الأرض كلها مخلوقة لله


الصفحة التالية
Icon