( آل عمران ١٩٧ ) أي تقلبهم متاع قليل والثاني أن ترفعه بالابتداء وخبره الجملة التي هي لاَ إله إِلاَّ هُوَ والعائد إليه الضمير المنفصل والقراءة الثانية الخفض وفيها وجهان الأول على البدل مِن رَبّكَ ( المزمل ٨ ) والثاني قال ابن عباس على القسم بإضمار حرف القسم كقولك الله لأفعلن وجوابه لاَ إله إِلاَّ هُوَ كما تقول والله لا أحد في الدار إلا زيد وقرأ ابن عباس رَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ
أما قوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً فالمعنى أنه لما ثبت أنه لا إله إلا هو لزمك أن تتخذه وكيلاً وأن تفوض كل أمورك إليه وههنا مقام عظيم فإنه لما كانت معرفة أنه لا إله إلا هو توجب تفويض كل الأمور إليه دل هذا على أن من لا يفوض كل الأمور إليه فإنه غير عالم بحقيقة لا إله إلا هو وتقريره أن كل ما سواه ممكن ومحدث وكل ممكن ومحدث فإنه مالم ينته إلى الواجب لذاته لم يجب ولما كان الواجب لذاته واحداً كان جميع الممكنات مستندة إليه منتهية إليه وهذا هو المراد من قوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً وقال بعضهم وَكِيلاً أي كفيلاً بما وعدك من النصر والإظهار
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
المعنى إنك لما اتخذتني وكيلاً فاصبر على ما يقولون وفوض أمرهم إلي فإنني لما كنت وكيلاً لك أقوم بإصلاح أمرك أحسن من قيامك بإصلاح أمور نفسك واعلم أن مهمات العباد محصورة في أمرين كيفية معاملتهم مع الله وكيفية معاملتهم مع الخلق والأول أهم من الثاني فلما ذكر تعالى في أول هذه السورة ما يتعلق بالقسم الأول أتبعه بما يتعلق بالقسم الثاني وهو سبحانه جمع كل ما يحتاج إليه من هذا الباب في هاتين الكلمتين وذلك لأن الإنسان إما أن يكون مخالطاً للناس أو مجانباً عنهم فإن خالطهم فلا بد له من المصابرة على إيذائهم وإيحاشهم فإنه إن كان يطمع منهم في الخير والراحة لم يجد فيقع في الغموم والأحزان فثبت أن من أراد مخالطة مع الخلق فلا بد له من الصبر الكثير فأما إن ترك المخالطة فذاك هو الهجر الجميل فثبت أنه لا بد لكل إنسان من أحد هذين الأمرين والهجر الجميل أن يجانبهم بقلبه وهواه ويخالفهم في الأفعال مع المدارة والإغضاء وترك المكافأة ونظيره فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ( النساء ٦٣ ) وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ ( الأعراف ١٩٩ ) فَأَعْرَضَ عَمَّ مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا ( النجم ٢٩ ) قال المفسرون هذه الآية إنما نزلت قبل آية القتال ثم نسخت بالأمر بالقتال وقال آخرون بل ذلك هو الأخذ بإذن الله فيما يكون أدعى إلى القبول فلا يرد النسخ في مثله وهذا أصح
وَذَرْنِى وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِى النَّعْمَة ِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
اعلم أنه إذا اهتم إنسان بمهم وكان غيره قادراً على كفاية ذلك المهم على سبيل التمام والكمال قال له ذرني أنا وذاك أي لا حاجة مع اهتمامي بذاك إلى شيء آخر وهو كقوله فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ ( القلم ٤٤ ) وقوله أُوْلِى النَّعْمَة ِ بالفتح التنعم وبالكسر الإنعام وبالضم المسرة يقال أنعم بك ونعمك عيناً أي أسرَّ عينك وهم صناديد قريش وكانوا أهل تنعم وترفه وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً فيه وجهان أحدهما المراد من القليل الحياة الدنيا والثاني المراد من القليل تلك المدة القليلة الباقية إلى يوم بدر فإن الله أهلكهم في ذلك اليوم


الصفحة التالية
Icon