المسألة الثانية احتج بعضهم على تكليف مالا يطاق بأنه تعالى قال لَّن تُحْصُوهُ أي لن تطيقوه ثم إنه كان قد كلفهم به ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد صعوبته لا أنهم لا يقدرون عليه كقول القائل ما أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النظر إليه
وقوله تعالى فَتَابَ عَلَيْكُمْ هو عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدر كقوله تعالى فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ ( البقرة ١٨٧ ) والمعنى أنه رفع التبعة عنكم في ترك هذا العمل كما رفع التبعة عن التائب
قوله تعالى فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ وفيه قولان الأول أن المراد من هذه القراءة الصلاة لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة فأطلق اسم الجزء على الكل أي فصلوا ما تيسر عليكم ثم ههنا قولان الأول قال الحسن يعني في صلاة المغرب والعشاء وقال آخرون بل نسخ وجوب ذلك التهجد واكتفى بما تيسر منه ثم نسخ ذلك أيضاً بالصلوات الخمس القول الثاني أن المراد من قوله فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ قراءة القرآن بعينها والغرض منه دراسة القرآن ليحصل الأمن من النسيان قيل يقرأ مائة آية وقيل من قرأ مائة آية كتب من القانتين وقيل خمسين آية ومنهم من قال بل السورة القصيرة كافية لأن إسقاط التهجد إنما كان دفعاً للحرج وفي القراءة الكثيرة حرج فلا يمكن اعتبارها وههنا بحث آخر وهو ما روي عن ابن عباس أنه قال سقط عن أصحاب رسول الله ( ﷺ ) قيام الليل وصارت تطوعاً وبقي ذلك فرضاً على رسول الله ( ﷺ )
ثم إنه تعالى ذكر الحكمة في هذا النسخ فقال تعالى عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى
واعلم أن تقدير هذه الآية كأنه قيل لم نسخ الله ذلك فقال لأنه علم كذا وكذا والمعنى لتعذر القيام على المرضى والضاربين في الأرض للتجارة والمجاهدين في سبيل الله أما المرضى فإنهم لا يمكنهم الاشتغال بالتهجد لمرضهم وأما المسافرون والمجاهدون فهم مشتغلون في النهار بالأعمال الشاقة فلو لم يناموا في الليل لتوالت أسباب المشقة عليهم وهذا السبب ما كان موجوداً في حق النبي ( ﷺ ) كما قال تعالى إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً ( المزمل ٧ ) فلا جرم ما صار وجوب التهجد منسوخاً في حقه ومن لطائف هذه الآية أنه تعالى سوى بين المجاهدين والمسافرين للكسب الحلال وعن ابن مسعود ( أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء ) ثم أعاد مرة أخرى قوله فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وذلك للتأكيد ثم قال وَإِذْ أَخَذْنَا يعني المفروضة وَإِذْ أَخَذْنَا أي الواجبة وقيل زكاة الفطر لأنه لم يكن بمكة زكاة وإنما وجبت بعد ذلك ومن فسرها بالزكاة الواجبة جعل آخر السورة مدنياً


الصفحة التالية
Icon