فيك تيهاً قال ليس بتيه ولكنه عزة فإن هذا العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه وتلا هذه الآية قال بعض العارفين في تحقيق هذا المعنى العزة غير الكبر ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها عن أن يضعها لأقسام عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلها فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة والتواضع محمود والضعة مذمومة والكبر مذموم والعزة محمودة ولما كانت غير مذمومة وفيها مشاكلة للكبر قال تعالى ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الاْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وفيه إشارة خفية لإثبات العزة بالحق والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزة المنصوب على متن نار الكبر فإن قيل قال في الآية الأولى لاَّ يَفْقَهُونَ وفي الأخرى لاَّ يَعْلَمُونَ فما الحكمة فيه فنقول ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم ولا يفقهون من فقه يفقه كعلم يعلم ومن فقه يفقه كعظم يعظم والأول لحصول الفقه بالتكلف والثاني لا بالتكلف فالأول علاجي والثاني مزاجي
ثم قال تعالى
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
لاَ تُلْهِكُمْ لا تشغلكم كما شغلت المنافقين وقد اختلف المفسرون منهم من قال نزلت في حق المنافقين ومنهم من قال في حق المؤمنين وقوله عَن ذِكْرِ اللَّهِ عن فرائض الله تعالى نحو الصلاة والزكاة والحج أو عن طاعة الله تعالى وقال الضحاك الصلوات الخمس وعند مقاتل هذه الآية وما بعدها خطاب للمنافقين الذين أفروا بالإيمان وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ أي ألهاه ماله وولده عن ذكر الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ أي في تجارتهم حيث باعوا الشريف الباقي بالخسيس الفاني وقيل هم الخاسرون في إنكار ما قال به رسول الله ( ﷺ ) من التوحيد والبعث
وقال الكلبي الجهاد وقيل هو القرآن وقيل هو النظر في القرآن والتفكر والتأمل فيه وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ قال ابن عباس يريد زكاة المال ومن للتبعيض وقيل المراد هو الإنفاق الواجب مّن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي دلائل الموت وعلاماته فيسأل الرجعة إلى الدنيا وهو قوله رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ وقيل حضهم على إدامة الذكر وأن لا يضنوا بالأموال أي هلا أمهلتني وأخرت أجلي إلى زمان


الصفحة التالية
Icon