الرجس فقوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ كلام جامع في مكارم الأخلاق كأنه قيل له اهجر الجفاء والسفه وكل شيء قبيح ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين المستعملين للرجز وهذا يشاكل تأويل من فسر قوله وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ ( المدثر ٤ ) على تحسين الخلق وتطهير النفس عن المعاصي والقبائح
المسألة الثانية احتج من جوز المعاصي على الأنبياء بهذه الآية قال لولا أنه كان مشتغلاً بها وإلا لما زجر عنها بقوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ والجواب المراد منه الأمر بالمداومة على ذلك الهجران كما أن المسلم إذا قال اهدنا فليس معناه أنا لسنا على الهداية فاهدنا بل المراد ثبتنا على هذه الهداية فكذا ههنا
المسألة الثالثة قرأ عاصم في رواية حفص والرجز بضم الراء في هذه السورة وفي سائر القرآن بكسر الراء وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر بالكسر وقرأ يعقوب بالضم ثم قال الفراء هما لغتان والمعنى واحد وفي كتاب الخليل الرجز بضم الراء عبادة الأوثان وبكسر الراء العذاب ووسواس الشيطان أيضاً رجز وقال أبو عبيدة أفشى اللغتين وأكثرهما الكسر
وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
فيه مسائل
المسألة الأولى القراءة المشهورة تستكثر برفع الراء وفيه ثلاثة أوجه أحدها أن يكون التقدير ولا تمنن لتستكثر فتنزع اللام فيرتفع وثانيها أن يكون التقدير لا تمنن أن تستكثر ثم تحذف أن الناصبة فتسلم الكلمة من الناصب والجازم فترتفع ويكون مجاز الكلام لا تعط لأن تستكثر وثالثها أنه حال متوقعة أي لا تمنن مقدراً أن تستكثر قال أبو علي الفارسي هو مثل قولك مررت برجل معه صقر صائداً به غدا أي مقدراً للصيد فكذا ههنا المعنى مقدراً الاستكثار قال ويجوز أن يحكي به حالاً أتية إذا عرفت هذا فنقول ذكروا في تفسير الآية وجوهاً أحدها أنه تعالى أمره قبل هذه الآية بأربعة أشياء إنذار القوم وتكبير الرب وتطهير الثياب وهجر الرجز ثم قال وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ أي لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما تفعله بل اصبر على ذلك كله لوجه ربك متقرباً بذلك إليه غير ممتن به عليه قال الحسن لا تمنن على ربك بحسناتك فتستكثرها وثانيها لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين والوحي كالمستكثر لذلك الإنعام فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله فلا منة لك عليهم ولهذا قال وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ ( المدثر ٧ ) وثالثها لا تمنن عليهم بنبوتك لتستكثر أي لتأخذ منهم على ذلك أجراً تستكثر به مالك ورابعها لا تمنن أي لا تضعف من قولهم حبل منين أي ضعيف يقال منه السير أي أضعفة والتقدير فلا تضعف أن تستكثر من هذه الطاعات الأربعة التي أمرت بها قبل هذه الآية ومن ذهب إلى هذا قال هو مثل قوله أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ ( الزمر ٦٤ ) أي أن أعبد فحذفت أن وذكر الفراء أن في قراءة عبد الله ( ولا تمتن تستكثر ) وهذا يشهد لهذا التأويل وهذا القول اختيار مجاهد وخامسها وهو قول أكثر المفسرين أن معنى قوله وَلاَ تَمْنُن أي لا تعط يقال مننت فلاناً كذا أي أعطيته قال هَاذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ( ص ٣٩ ) أي فأعط أو أمسك وأصله أن من أعطى فقد من فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة فالمعنى ولا تعط مالك لأجل أن تأخذ أكثر منه وعلى هذا التأويل سؤالات
السؤال الأول ما الحكمة في أن الله تعالى منعه من هذا العمل الجواب الحكمة فيه من وجوه الأول لأجل أن تكون عطاياه لأجل الله لا لأجل طلب الدنيا فإنه نهى عن طلب الدنيا في قوله وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ