ثم قال تعالى
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
وهذا إنما يذكر عند التعجب والاستعظام ومثله قولهم قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره ومعناه أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك وإذا عرفت ذلك فنقول إنه يحتمل ههنا وجهين أحدهما أنه تعجيب من قوة خاطره يعني أنه لا يمكن القدح في أمر محمد عليه السلام بشبهة أعظم ولا أقوى مما ذكره هذا القائل والثاني الثناء عليه على طريقة الاستهزاء يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط
ثم قال
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
والمقصود من كلمه ثم ههنا الدلالة على أن الدعاء عليه في الكرة الثانية أبلغ من الأولى
ثم قال
ثُمَّ نَظَرَ
والمعنى أنه أولاً فكر وثانياً قدر وثالثاً نظر في ذلك المقدر فالنظر السابق للاستخراج والنظر اللاحق للتقدير وهذا هو الاحتياط فهذه المراتب الثلاثة متعلقة بأحوال قلبه
ثم إنه تعالى وصف بعد ذلك أحوال وجهه فقال
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى اعلم أن قوله عَبَسَ وَبَسَرَ يدل على أنه كان عارفاً في قلبه صدق محمد ( ﷺ ) إلا أنه كان يكفر به عناداً ويدل عليه وجوه الأول أنه بعد أن تفكر وتأمل قدر في نفسه كلاماً عزم على أنه يظهره ظهرت العبوسة في وجهه ولو كان معتقداً صحة ذلك الكلام لفرح باستنباطه وإدراكه ولكنه لما لم يفرح به علمنا أنه كان يعلم ضعف تلك الشبهة إلا أنه لشدة عناده ما كان يجد شبهة أجود من تلك الشبهة فلهذا السبب ظهرت العبوسة في وجهه الثاني ما روي أن الوليد مر برسول الله ( ﷺ ) وهو يقرأ حم السجدة فلما وصل إلى قوله فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَة ً مّثْلَ صَاعِقَة ِ عَادٍ وَثَمُودَ ( فصلت ١٣ ) أنشده الوليد بالله وبالرحم أن يسكت وهذا يدل على أنه كان يعلم أنه مقبول الدعاء صادق اللهجة ولما رجع الوليد قال لهم والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى عليه فقالت قريش صبأ الوليد ولو صبأ لتصبأن قريش كلها فقال أبو جهل أنا أكفيكموه ثم دخل عليه محزوناً فقال مالك يا ابن الأخ فقال إنك قد صبوت لتصيب من طعام محمد وأصحابه وهذه قريش تجمع لك مالاً ليكون ذلك عوضاً مما تقدر أن تأخذ من أصحاب محمد فقال والله ما يشبعون فكيف أقدر أن آخذ منهم مالاً ولكني تفكرت في أمره كثيرة فلم أجد شيئاً يليق به إلا أنه ساحر فأقول استعظامه للقرآن واعترافه بأنه ليس من كلام الجن والإنس يدل على أنه كان في ادعاء السحر معانداً لأن السحر يتعلق بالجن والثالث أنه كان يعلم أن أمر السحر مبني على الكفر بالله والأفعال المنكرة وكان من الظاهر أن محمداً لا يدعو إلا إلى الله فكيف يليق به السحر فثبت بمجموع هذه الوجوه أنه إنما عَبَسَ وَبَسَرَ لأنه كان يعلم أن الذي يقوله كذب وبهتان
المسألة الثانية قال الليث عبس يعبس فهو عابس إذا قطب ما بين عينيه فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قيل كلح فإن اهتم لذلك وفكر فيه قيل بسر فإن غضب مع ذلك قيل بسل


الصفحة التالية
Icon