والله قادر على كل الممكنات فوجب أن يقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال
قوله تعالى يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أي يقول هذا الإنسان المنكر للقيامة إذا عاين هذه الأحوال أين المفر والقراءة المشهورة بفتح الفاء وقرىء أيضاً بكسر الفاء والمفر بفتح الفاء هو الفرار قال الأخفش والزجاج المصدر من فعل يفعل مفتوح العين وهو قول جمهور أهل اللغة والمعنى أين الفرار وقول القائل أين الفرار يحتمل معنيين أحدهما أنه لا يرى علامات مكنة الفرار فيقول حينئذ أين الفرار كما إذا أيس من وجدان زيد يقول أين زيد والثاني أن يكون المعنى إلى أين الفرار وأما المفر بكسر الفاء فهو الموضع فزعم بعض أهل اللغة أن المفر بفتح الفاء كما يكون اسماً للمصدر فقد يكون أيضاً اسماً للموضع والمفر بكسر الفاء كما يكون اسماً للموضع فقد يكون مصدراً ونظيره المرجع
كَلاَّ لاَ وَزَرَ
قوله تعالى كَلاَّ وهو ردع عن طلب المفر لاَ وَزَرَ قال المبرد والزجاج أصل الوزر الجبل المنيع ثم يقال لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر وأنشد المبرد قول كعب بن مالك الناس آلت علينا فيك ليس لنا
إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعتصم به من أمر الله
ثم قال تعالى
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
وفيه وجهان أحدهما أن يكون المستقر بمعنى الاستقرار بمعنى أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره وينصبوا إلى غيره كما قال إِنَّ إِلَى رَبّكَ الرُّجْعَى ( العلق ٨ ) وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ( النور ٤٢ ) أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الاْمُورُ ( الشورى ٥٣ ) وَأَنَّ إِلَى رَبّكَ الْمُنتَهَى ( النجم ١٢ ) الثاني أن يكون المعنى إلى ربك مستقرهم أي موضع قرارهم من جنة أو نار أي مفوض ذلك إلى مشيئته من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار
يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
بما قدم من عمل عمله وبما أخر من عمل لم يعمله أو بما قدم من ماله فتصدق به وبما أخره فخلفه أو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة فعمل بها بعده وعن مجاهد أنه مفسر بأول العمل وآخره ونظيره قوله فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ( المجادلة ٦ ) وقال وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ ( يس ١٢ ) واعلم أن الأظهر أن هذا الإنباء يكون يوم القيامة عند العرض والمحاسبة ووزن الأعمال ويجوز أن يكون عند الموت وذلك أنه إذا مات بين له مقعده من الجنة والنار
بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة ٌ
اعلم أنه تعالى لما قال خَلَقَ الإِنسَانَ يومئذ بأعماله قال بل لا يحتاج إلى أن ينبئه غير غيره وذلك لأن نفسه شاهدة بكونه فاعلاً لتلك الأفعال مقدماً عليها ثم في قوله بَصِيرَة ٌ وجهان الأول قال الأخفش جعله في نفسه بصيرة كما يقال فلان جود وكرم فههنا أيضاً كذلك لأن الإنسان بضرورة عقله يعلم


الصفحة التالية
Icon