في موقف القيامة فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( يونس ٦٢ ) فلما دلت الآية على أن النظر ليس إلا إلى الله ودل العقل على أنهم يرون غير الله علمنا أن المراد من النظر إلى الله ليس هو الرؤية الثامن قال تعالى وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ ( آل عمران ٧٧ ) ولو قال لا يراهم كفي فلما نفى النظر ولم ينف الرؤية دل على المغايرة فثبت بهذه الوجوه أن النظر المذكور في هذه الآية ليس هو الرؤية
المقام الثاني في بيان التأويل المفصل وهو من وجهين الأول أن يكون الناظر بمعنى المنتظر أي أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله وهو كقول القائل إنما أنظر إلى فلان في حاجتي والمراد أنتظر نجاحها من جهته وقال تعالى فَنَاظِرَة ٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( النمل ٣٥ ) وقال وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَة ٍ فَنَظِرَة ٌ إِلَى مَيْسَرَة ٍ ( البقرة ٢٨٠ ) لا يقال النظر المقرون بحرف إلى غير مستعمل في معنى الانتظار ولأن الانتظار غم وألم وهو لا يليق بأهل السعادة يوم القيامة لأنا نقول الجواب عن الأول من وجهين الأول النظر المقرون بحرف إلى قد يستعمل بمعنى الانتظار والتوقع والدليل عليه أنه يقال أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي والمراد منه التوقع والرجاء وقال الشاعر وإذا نظرت إليك من ملك
والبحر دونك زدتني نعما
وتحقيق الكلام فيه أن قولهم في الانتظار نظرت بغير صلة فإنما ذلك في الانتظار لمجيء الإنسان بنفسه فأما إذا كان منتظراً لرفده ومعونته فقد يقال فيه نظرت إليه كقول الرجل وإنما نظري إلى الله ثم إليك وقد يقول ذلك من لا يبصر ويقول الأعمى في مثل هذا المعنى عيني شاخصة إليك ثم إن سلمنا ذلك لكن لا نسلم إن المراد من إلى ههنا حرف التعدي بل هو واحد الآلاء والمعنى وجوه يومئذ ناضرة نعمة ربها منتظرة
وأما السؤال الثاني وهو أن الانتظار غم وألم فجوابه أن المنتظر إذا كان فيما ينتظره على يقين من الوصول إليه فإنه يكون في أعظم اللذات
التأويل الثاني أن يضمر المضاف والمعنى إلى ثواب ربها ناظرة قالوا وإنما صرنا إلى هذا التأويل لأنه لما دلت الدلائل السمعية والعقلية على أنه تعالى تمتنع رؤيته وجب المصير إلى التأويل ولقائل أن يقول فهذه الآية تدل أيضاً على أن النظر ليس عبارة عن تقليب الحدقة لأنه تعالى قال لا ينظر إليهم وليس المراد أنه تعالى يقلب الحدقة إلى جهنم فإن قلتم المراد أنه لا ينظر إليهم نظر الرحمة كان ذلك جوابنا عما قالوه
التأويل الثالث أن يكون معنى إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة ٌ أنها لا تسأل ولا ترغب إلا إلى الله وهو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام ( اعبد الله كأنك تراه ) فأهل القيامة لشدة تضرعهم إليه وانقطاع أطماعهم عن غيره صاروا كأنهم ينظرون إليه الجواب قوله ليس النظر عبارة عن الرؤية قلنا ههنا مقامان
الأول أن تقيم الدلالة على أن النظر هو الرؤية من وجهين الأول ما حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو قوله أَنظُرْ إِلَيْكَ ( الأعراف ١٤٣ ) فلو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب


الصفحة التالية
Icon