جميع وجوه المنافع فيقال أكل فلان ماله إذا أتلفه في سائر وجوه الإتلاف وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً ( النساء ١٠ ) وقال وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ( البقرة ١٨٨ ) إذا ثبت هذا فنقول إن الله تعالى وصف هؤلاء الأبرار بأنهم يواسون بأموالهم أهل الضعف والحاجة وأما قوله تعالى عَلَى حُبّهِ ففيه وجهان أحدهما أن يكون الضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه ونظيره لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ ( البقرة ١٧٧ ) لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ( آل عمران ٩٢ ) فقد وصفهم الله تعالى بأنهم يؤثرون غيرهم على أنفسهم على ما قال وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ٌ ( الحشر ٩ ) والثاني قال الفضيل بن عياض على حب الله أي لحبهم لله واللام قد تقام مقام على وكذلك تقام على مقام اللام ثم إنه تعالى ذكر أصناف من تجب مواساتهم وهم ثلاثة أحدهم المسكين وهو العاجز عن الاكتساب بنفسه والثاني اليتيم وهو الذي مات كاسبه فيبقى عاجزاً عن الكسب لصغره مع أنه مات كسبه والثالث الأسير وهو المأخوذ من قومه المملوك ( ه ) رقبته الذي لا يملك لنفسه نصراً ولا حيلة وهؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى ههنا هم الذين ذكرهم في قوله فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَة َ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة ُ فَكُّ رَقَبَة ٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَة ٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة ٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة ٍ ( البلد ١١ ١٦ ) وقد ذكرنا اختلاف الناس في المسكين قبل هذا أما الأسير فقد اختلفوا فيه على أقوال أحدها قال ابن عباس والحسن وقتادة إنه الأسير من المشركين روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث الأسارى من المشركين ليحفظوا وليقام بحقهم وذلك لأنه يجب إطعامهم إلى أن يرى الإمام رأيه فيهم من قتل أو فداء أو استرقاق ولا يمتنع أيضاً أن يكون المراد هو الأسير كافراً كان أو مسلماً لأنه إذا كان مع الكفر يجب إطعامه فمع الإسلام أولى فإن قيل لما وجب قتله فكيف يجب إطعامه قلنا القتل في حال لا يمنع من الإطعام في حال أخرى ولا يجب إذا عوقب بوجه أن يعاقب بوجه آخر ولذلك لا يحسن فيمن يلزمه القصاص أن يفعل به ما هو دون القتل ثم هذا الإطعام على من يجب فنقول الإمام يطعمه فإن لم يفعله الإمام وجب على المسلمين وثانيها قال السدي الأسير هو المملوك وثالثها الأسير هو الغريم قال عليه السلام ( غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك ) ورابعها الأسير هو المسجون من أهل القبلة وهو قول مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وروى ذلك مرفوعاً من طريق الخدري أنه عليه السلام قال مِسْكِيناً فقيراً وَيَتِيماً لا أب له وَأَسِيراً قال المملوك المسجون وخامسها الأسير هو الزوجة لأنهن أسراء عند الأزواج قال عليه الصلاة والسلام ( اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم أعوان ) قال القفال واللفظ يحتمل كل ذلك لأن الأصل الأسر هو الشد بالقد وكان الأسير يفعل به ذلك حبساً له ثم سمي بالأسير من شد ومن لم يشد فعاد المعنى إلى الحبس
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن الأبرار يحسنون إلى هؤلاء المحتاجين بين أن لهم فيه غرضين أحدهما تحصيل رضا الله وهو المراد من قوله إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ والثاني الاحتراز من خوف يوم القيامة وهو المراد من قوله إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً وههنا مسائل
المسألة الأولى قوله إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ إلى قوله قَمْطَرِيراً يحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون هؤلاء الأبرار قد قالوا هذه الأشياء باللسان إما لأجل أن يكون ذلك القول منعاً لأولئك المحتاجين عن المجازاة بمثله أو بالشكر لأن إحسانهم مفعول لأجل الله تعالى فلا معنى لمكافأة الخلق وإما أن يكون


الصفحة التالية
Icon