هذين الأصلين فكذا بين القارورتين في الصفاء واللطافة وثانيها قال ابن عباس ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء وإذا كان كذلك فكمال الفضة في بقائها ونقائها وشرفها إلا أنه كثيف الجوهر وكمال القارورة في شفافيتها وصفائها إلا أنه سريع الانكسار فآنية الجنة آنية يحصل فيها من الفضة بقاؤها ونقاؤها وشرف جوهرها ومن القارورة صفاؤها وشفافيتها وثالثها أنها تكون فضة ولكن لها صفاء القارورة ولا يستبعد من قدرة الله تعالى الجمع بين هذين الوصفين ورابعها أن المراد بالقوارير في الآية ليس هو الزجاج فإن العرب تسمى ما استدار من الأواني التي تجعل فيها الأشربة ورق وصفاً قارورة فمعنى الآية وَأَكْوابٍ مِن فِضَّة ٍ مستديرة صافية رقيقة
السؤال الخامس كيف القراءة في قَوَارِيرَاْ قَوارِيرَ الجواب قرئا غير منونين وبتنوين الأول وبتنوينهما وهذا التنوين بدل عن ألف الإطلاق لأنه فاصلة وفي الثاني لاتباعه الأول لأن الثاني بدل من الأول فيتبع البدل المبدل وقرىء قَوارِيرَ مِن فِضَّة ٍ بالرفع على هي قوارير وقدروها صفة لقوارير من فضة
أما قوله تعالى قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ففيه مسألتان
المسألة الأولى قال المفسرون معناه قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص من الري ليكون ألذ لشربهم وقال الربيع بن أنس إن تلك الأواني تكون بمقدار ملء الكف لم تعظم فيثقل حملها
المسألة الثانية أن منتهى مراد الرجل في الآنية التي يشرب منها الصفاء والنقاء والشكل أما الصفاء فقد ذكره الله تعالى بقوله كَانَتْ قَوَارِيرَاْ وأما النقاء فقد ذكره بقوله من فضة وأما الشكل فقد ذكره بقوله قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً
المسألة الثالثة المقدر لهذا التقدير من هو فيه قولان الأول أنهم هم الطائفون الذين دل عليهم قوله تعالى وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ وذلك أنهم قدروا شرابها على قدر ري الشارب والثاني أنهم هم الشاربون وذلك لأنهم إذا اشتهوا مقداراً من المشروب جاءهم على ذلك القدر
واعلم أنه تعالى لما وصف أواني مشروبهم ذكر بعد ذلك وصف مشروبهم فقال
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً
العرب كانوا يحبون جعل الزنجبيل في المشروب لأنه يحدث فيه ضرباً من اللذع فلما كان كذلك وصف الله شراب أهل الجنة بذلك ولا بد وأن تكون في الطيب على أقصى الوجوه قال ابن عباس وكل ما ذكره الله تعالى في القرآن مما في الجنة فليس منه في الدنيا إلا الاسم وتمام القول ههنا مثل ما ذكرناه في قوله كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً
عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً
فيه مسائل
المسألة الأولى قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن فعلى هذا لا يعرف له اشتقاق وقال الأكثرون يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي عذب سهل المساغ وقد زيدت الباء في التركيب


الصفحة التالية
Icon