واستبرق بالخفض وحاصل الكلام فيه أن خضراً يجوز فيه الخفض والرفع أما الرفع فإذا جعلتها صفة لثياب وذلك ظاهر لأنها صفة مجموعة لموصوف مجموعة وأما الخفض فإذا جعلتها صفة سندس لأن سندس أريد به الجنس فكان في معنى الجمع وأجاز الأخفش وصف اللفظ الذي يراد به الجنس بالجمع كما يقال أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض إلا أنه قال إنه قبيح والدليل على قبحه أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيجرونه مجرى الواحد وذلك قولهم حصى أبيض وفي التنزيل مّنَ الشَّجَرِ الاْخْضَرِ و أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ إذ كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجمع فالواحد الذي في معنى الجمع أولى أن تفرد صفته وأما استبرق فيحوز فيه الرفع والخفض أيضاً معاً أما الرفع فإذا أريد به العطف على الثياب كأنه قيل ثياب سندس واستبرق وأما الخفض فإذا أريد إضافة الثياب إليه كأنه قيل ثياب سندس واستبرق والمعنى ثيابهما فأضاف الثياب إلى الجنسين كما يقال ثياب خز وكتان ويدل على ذلك قوله تعالى وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ واعلم أن حقائق هذه الآية قد تقدمت في سورة الكهف
المسألة الثالثة السندس ما رق من الديباج والاستبرق ما غلظ منه وكل ذلك داخل في اسم الحرير قال تعالى وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ثم قيل إن الذين هذا لباسهم هم الولدان المخلدون وقيل بل هذا لباس الأبرار وكأنهم يلبسون عدة من الثياب فيكون الذي يعلوها أفضلها ولهذا قال عَالِيَهُمْ وقيل هذا من تمام قوله مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاْرَائِكِ ومعنى عَالِيَهُمْ أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس والمعنى أن حجالهم من الحرير والديباج
قوله تعالى وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّة ٍ وفيه سؤالات
السؤال الأول قال تعالى في سورة الكهف أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ( الكهف ٣١ ) فكيف جعل تلك الأساور ههنا من فضة والجواب من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا منافاة بين الأمرين فلعلهم يسورون بالجنسين إما على المعاقبة أو على الجمع كما تفعل النساء في الدنيا وثانيها أن الطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب فالله تعالى يعطي كل أحد ما تكون رغبته فيه أتم وميله إليه أشد وثالثها أن هذه الأسورة من الفضة إنما تكون للوالدان الذين هم الخدم وأسورة الذهب للناس
السؤال الثاني السوار إنما يليق بالنساء وهو عيب للرجال فكيف ذكر الله تعالى ذلك في معرض الترغيب الجواب أهل الجنة جرد مرد شباب فلا يبعد أن يحلوا ذهباً وفضة وإن كانوا رجالاً وقيل هذه الأسورة من الفضة والذهب إنما تكون لنساء أهل الجنة وللصبيان فقط ثم غلب في اللفظ جانب التذكير وفي الآية وجه آخر وهو أن آلة أكثر الأعمال هي اليد وتلك الأعمال والمجاهدات هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المعارف الإلهية والأنوار الصمدية فتكون تلك الأعمال جارية مجرى الذهب والفضة التي يتوسل بهما إلى تحصيل المطالب فلما كانت تلك الأعمال صادرة من اليد كانت تلك الأعمال جارية مجرى سوار


الصفحة التالية
Icon