والكفور مطلقان غير مختصين بشخص معين وهذا هو الأقرب إلى الظاهر ثم قال الحسن الآثم هو المنافق والكفور مشركوا العرب وهذا ضعيف بل الحق ما ذكرناه من أن الآثم عام والكفور خاص
السؤال الرابع كانوا كلهم كفرة فما معنى القسمة في قوله أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ الجواب الْكَفُورَ أخبث أنواع الآثم فخصه بالذكر تنبيهاً على غاية خبثه ونهاية بعده عن الله
السؤال الخامس كلمة أو تقتضي النهي عن طاعة أحدهما فلم لم يذكر الواو حتى يكون نهياً عن طاعتهما جميعاً الجواب ذكروا فيه وجهين الأول وهو الذي ذكره الزجاج واختاره أكثر المحققين أنه لو قيل ولا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما لأن النهي عن طاعة مجموع شخصين لا يقتضي النهي عن طاعة كل واحد منهما وحده أما النهي عن طاعة أحدهما فيكون نهياً عن طاعة مجموعهما لأن الواحد داخل في المجموع ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأن قوله لاَ تُطِعْهُ هذا وهذا معناه كن مخالفاً لأحدهما ولا يلزم من إيجاب مخالفة أحدهما إيجاب مخالفتهما معاً فإنه لا يبعد أن يقول السيد لعبده إذا أمرك أحد هذين الرجلين فخالفه أما إذا توافقا فلا تخالفهما والثاني قال الفراء تقدير الآية لا تطع منهم أحداً سواء كان أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ كقول الرجل لمن يسأله شيئاً لا أعطيك سواء سألت أو سكت
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا النهي عقبه بالأمر فقال
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَة ً وَأَصِيلاً وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً
وفي هذه الآية قولان
الأول أن المراد هو الصلاة قالوا لأن التقييد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ الصلوات ثم قالوا البكرة هي صلاة الصبح والأصيل صلاة الظهر والعصر وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ المغرب والعشاء فتكون هذه الكلمات جامعة الصلوات الخمس وقوله وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً المراد منه التهجد ثم اختلفوا فيه فقال بعضهم كان ذلك من الواجبات على الرسول عليه السلام ثم نسخ كما ذكرنا في سورة المزمل واحتجوا عليه بأن قوله فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ أمر وهو للوجوب لا سيما إذا تكرر على سبيل المبالغة وقال آخرون بل المراد التطوع وحكمه ثابت
القول الثاني أن المراد من قوله وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ إلى آخر الآية ليس هو الصلاة بل المراد التسبيح الذي هو القول والاعتقاد والمقصود أن يكون ذاكراً لله في جميع الأوقات ليلاً ونهاراً بقلبه ولسانه وهو المراد من قوله عَلِيماً ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبّحُوهُ بُكْرَة ً وَأَصِيلاً ( الأحزاب ٤١ )
واعلم أن في الآية لطيفة أخرى وهي أنه تعالى قال إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ تَنزِيلاً ( الإنسان ٢٣ ) أي هديناك إلى هذه الأسرار وشرحنا صدرك بهذه الأنوار وإذ قد فعلنا بك ذلك فكن منقاداً مطيعاً لأمرنا وإياك وأن تكون منقاداً مطيعاً لغيرنا ثم لما أمره بطاعته ونهاه عن طاعة غيره قال وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ وهذا إشارة إلى أن العقول البشرية ليس عندها إلا معرفة الأسماء والصفات أما معرفة الحقيقة فلا فتارة يقال له وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ وهو إشارة إلى معرفة الأسماء وتارة يقال له وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ وهو


الصفحة التالية
Icon