أحد من المخلوقين ألبتة وبتقدير أن تثبت الحاجة فلا حاجة إلى هؤلاء الأقوام فإنا قادرون على إفنائهم وعلى إيجاد أمثالهم ونظيره قوله تعالى أَن يَشَاء يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِاخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذالِكَ قَدِيراً ( النساء ١٣٣ ) وقال إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ( إبراهيم ١٩ ٢٠ ) ثم قيل بدلنا أمثالهم أي في الخلقة وإن كانوا أضدادهم في العمل وقيل أمثالهم في الكفر
المسألة الثالثة قال صاحب الكشاف في قوله وَإِذَا شِئْنَا إن حقه أن يجيء بأن لا بإذا كقوله وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ( محمد ٣٨ ) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ( النساء ١٣٣ ) واعلم أن هذا الكلام كأنه طعن في لفظ القرآن وهو ضعيف لأن كل واحد من إن وإذا حرف الشرط إلا أن حرف إن لا يستعمل فيما يكون معلوم الوقوع فلا يقال إن طلعت الشمس أكرمتك أما حرف إذا فإنه يستعمل فيما كان معلوم الوقوع تقول آتيك إذا طلعت الشمس فههنا لما كان الله تعالى عالماً بأنه سيجيء وقت يبدل الله فيه أولئك الكفرة بأمثالهم في الخلقة وأضدادهم في الطاعة لا جرم حسن استعمال حرف إذا
إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَة ٌ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
واعلم أنه تعالى لما شرح أحوال السعداء وأحوال الأشقياء قال بعده إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَة ٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ والمعنى أن هذه السورة بما فيها من الترتيب العجيب والنسق البعيد والوعد والوعيد والترغيب والترهيب تذكرة للمتأملين وتبصرة للمستبصرين فمن شاء الخيرة لنفسه في الدنيا والآخرة اتخذ إلى ربه سبيلاً واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه واعلم أن هذه الآية من جملة الآيات التي تلاطمت فيها أمواج الجبر والقدر فالقدري يتمسك بقوله تعالى فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً ويقول إنه صريح مذهبي ونظيره فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ والجبري يقول متى ضمت هذه الآية إلى الآية التي بعدها خرج منه صريح مذهب الجبر وذلك لأن قوله فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً يقتضي أن تكون مشيئة العبد متى كانت خالصة فإنها تكون مستلزمة للفعل وقوله بعد ذلك وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ يقتضي أن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ومستلزم المستلزم مستلزم فإذا مشيئة الله مستلزمة لفعل العبد وذلك هو الجبر وهكذا الاستدلال على الجبر بقوله فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ لأن هذه الآية أيضاً تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ثم التقرير ما تقدم
واعلم أن الاستدلال على هذا الوجه الذي لخصناه لا يتوجه عليه كلام القاضي إلا أنا نذكره وننبه على ما فيه من الضعف قال القاضي المذكور في هذه الآية اتخاذ السبيل إلى الله ونحن نسلم أن الله قد شاءه لأنه تعالى قد أمر به فلا بد وأن يكون قد شاءه وهذا لا يقتضي أن يقال العبد لا يشاء إلا ما قد شاءه الله على الإطلاق إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أنه تعالى قد أراده وشاءه
واعلم أن هذا الكلام الذي ذكره القاضي لا تعلق له بالاستدلال على الوجه الذي ذكرناه وأيضاً فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص هذا العام بالصورة التي مر ذكرها فيما قبل هذه الآية وذلك ضعيف لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام به لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية وارداً بحيث يعم تلك الصورة وسائر الصور بقي في الآية سؤال يتعلق بالإعراب وهو أن يقال ما محل أن


الصفحة التالية
Icon