العلة يقتضي عموم الحكم
ثم قال تعالى وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدة لهم يوم القيامة
السؤال الثاني المراد من الإهلاك في قوله أَلَمْ نُهْلِكِ الاْوَّلِينَ هو مطلق الإماتة أو الإماتة بالعذاب فإن كان ذلك هو الأول لم يكن تخويفاً للكفار لأن ذلك أمر حاصل للمؤمن والكافر فلا يصلح تحذيراً للكافر وإن كان المراد هو الثاني وهو الإماتة بالعذاب فقوله ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الاْخِرِينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ يقتضي أن يكون الله قد فعل بكفار قريش مثل ذلك ومن المعلوم أنه لم يوجد ذلك وأيضاً فلأنه تعالى قال وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ الجواب لم لا يجوز أن يكون المراد منه الإماتة بالتعذيب وقد وقع ذلك في حق قريش وهو يوم بدر سلمنا ذلك فلم لا يجوز أن يكون المراد من الإهلاك معنى ثالثاً مغايراً للأمرين اللذين ذكروهما وهو الإماتة المستعقبة للذم واللعن فكأنه قيل إن أولئك المتقدمين لحرصهم على الدنيا عاندوا الأنبياء وخاصموهم ثم ماتوا فقد فاتتهم الدنيا وبقي اللعن عليهم في الدنيا والعقوبة الأخروية دائماً سرمداً فهكذا يكون حال هؤلاء الكفار الموجودين ومعلوم أن مثل هذا الكلام من أعظم وجوه الزجر
أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من تخويف الكفار ووجه التخويف فيه من وجهين الأول أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم وكلما كانت نعمة الله عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش وكلما كان كذلك كان العقاب أعظم فلهذا قال عقيب ذكر هذا الإنعام وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ الوجه الثاني أنه تعالى ذكرهم كونه قادراً على الابتداء وظاهر في العقل أن القادر على الابتداء قادر على الإعادة فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة لا جرم قال في حقهم وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ وأما التفسير فهو أن قوله أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ أي من النطفة كقوله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَة ٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ وهو الرحم لأن ما يخلق منه الولد لا بد وأن يثبت في الرحم ويتمكن بخلاف مالا يخلق منه الولد ثم قال إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ والمراد كونه في الرحم إلى وقت الولادة وذلك الوقت معلوم لله تعالى لا لغيره كقوله إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة ِ إلى قوله وَيَعْلَمُ مَا فِى الاْرْحَامِ فَقَدَرْنَا قرأ نافع وعبدالله بن عامر بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف أما التشديد فالمعنى إنا قدرنا ذلك تقديراً فنعم المقدرون له نحن ويتأكد هذا الوجه بقوله تعالى مِن نُّطْفَة ٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ولأن إيقاع الخلق على هذا التقدير والتحديد نعمة من المقدر على المخلوق فحسن ذكره في موضع ذكر


الصفحة التالية
Icon