هذه الينابيع الثلاثة أنواع من الظلمات ويمكن أيضاً أن يقال ههنا درجات ثلاثة وهي الحس والخيال والوهم وهي مانعة للروح عن الاستنارة بأنوار عالم القدس والطهارة ولكل واحد من تلك المراتب الثلاثة نوع خاص من الظلمة ورابعها قال قوم هذا كناية عن كون ذلك الدخان عظيماً فإن الدخان العظيم ينقسم إلى شعب كثيرة وخامسها قال أبو مسلم ويحتمل في ثلاث شعب ما ذكره بعد ذلك وهو أنه غير ظليل وأنه لا يغني من اللهب وبأنها ترمى بشرر كالقصر
الصفة الثانية لذلك الظل قوله لاَّ ظَلِيلٍ وهذا تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين والمعنى أن ذلك الظل لا يمنع حر الشمس
الصفة الثالثة قوله تعالى وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ يقال أغن عني وجهك أي أبعده لأن الغني عن الشيء يباعده كما أن المحتاج يقاربه قال صاحب ( الكشاف ) إنه في محل الجر أي وغيره مغن عنهم من حر اللهب شيئاً قال القفال وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن هذا الظل إنما يكون في جهنم فلا يظلهم من حرها ولا يسترهم من لهيبها وقد ذكر الله في سورة الواقعة الظل فقال فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ( الواقعة ٤٢ ٤٤ ) وهذا كأنه في جهنم إذا دخلوها ثم قال لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ فيحتمل أن يكون قوله لاَّ ظَلِيلٍ في معنى لاَّ بَارِدٍ وقوله وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ في معنى وَلاَ كَرِيمٍ أي لا روح له يلجأ إليه من لهب النار والثاني أن تكوُّنَ ذلك إنما يكون قبل أن يدخلوا جهنم بل عندما يحسبون للحساب والعرض فيقال لهم إن هذا الظل لا يظلكم من حر الشمس ولا يدفع لهب النار وفي الآية وجه ثان وهو الذي قاله قطرب وهو أن اللهب ههنا هو العطش يقال لهب لهباً ورجل لهبان وامرأة لهبى
الصفة الرابعة قوله تعالى إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ قال الواحدي يقال شررة وشرر وشرارة وشرار وهو ما تطاير من النار متبدداً في كل جهة وأصله من شررت الثوب إذا أظهرته وبسطته للشمس والشرار ينبسط متبدداً واعلم أن الله تعالى وصف النار التي كان ذلك الظل دخاناً لها بأنها ترمي بالشرارة العظيمة والمقصود منه بيان أن تلك النار عظيمة جداً ثم إنه تعالى شبه ذلك الشرر بشيئين الأول بالقصر وفي تفسيره قولان أحدهما أن المراد منه البناء المسمى بالقصر قال ابن عباس يريد القصور العظام الثاني أنه ليس المراد ذلك ثم على التقدير ففي التفسير وجوه أحدها أنها جمع قصرة ساكنة الصاد كتمرة وتمر وجمرة وجمر قال المبراد يقال للواحد من الحطب الجزل الغليظ قصرة والجمع قصر قال عبد الرحمن بن عابس سألت ابن عباس عن القصر فقال هو خشب كنا ندخره للشتاء نقطعه وكنا نسميه القصر وهذا قول سعيد بن جبير ومقاتل والضحاك إلا أنهم قالوا هي أصول النخل والشجر العظام قال صاحب ( الكشاف ) قرىء كالقصر بفتحتين وهي أعناق الإبل أو أعناق النخل نحو شجرة وشجر وقرأ ابن مسعود كالقصر بمعنى القصر كرهن ورهن وقرأ سعيد بن جبير كالقصر في جمع قصرة كحاجة وحوج
التشبيه الثاني قوله تعالى كَأَنَّهُ جِمَالَة ٌ صُفْرٌ وفيه مسألتان


الصفحة التالية
Icon