انتقام الأعداء فقال لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْمَ أي يقال لهم لا تعتذروا اليوم إذ الاعتذار هو التوبة والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار فلا ينفعكم الاعتذار وقوله تعالى إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يعني إنما أعمالكم السيئة ألزمتكم العذاب في الحكمة وفي الآية مباحث
البحث الأول أنه تعالى خاطب المشركين في قوله فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة ُ وقال أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ( البقرة ٢٤ ) جعلها معدة للكافرين فما معنى مخاطبته به المؤمنين نقول الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فإنهم مع الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا قُواْ أَنفُسَكُمْ باجتناب الفسق مجاورة الذين أعدت لهم هذه النار ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد
البحث الثاني كيف تكون الملائكة غلاظاً شداداً وهم من الأرواح فنقول الغلظة والشدة بحسب الصفات لما كانوا من الأرواح لا بحسب الذات وهذا أقرب بالنسبة إلى الغير من الأقوال
البحث الثالث قوله تعالى لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ في معنى قوله وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ فما الفائدة في الذكر فنقول ليس هذا في معنى ذلك لأن معنى الأول أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا ينكرونها ومعنى الثاني أنهم ( يؤدون ) ما يؤمرون به كذا ذكره في ( الكشاف )
ثم قال تعالى
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَة ً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِى َّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَى ْءٍ قَدِيرٌ ياأَيُّهَا النَّبِى ُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
قوله تَوْبَة ً نَّصُوحاً أي توبة بالغة في النصح وقال الفراء نصوحاً من صفة التوبة والمعنى توبة تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه وهو أنها الصادقة الناصحة ينصحون بها أنفسهم وعن عاصم نَّصُوحاً بضم النون وهو مصدر نحو العقود يقال نصحت له نصحاً ونصاحة ونصوحاً وقال في ( الكشاف ) وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي وهو أن يتوبوا عن القبائح نادمين عليها غاية الندامة لا يعودون وقيل من نصاحة الثوب أي خياطته و عَسَى رَبُّكُمْ إطماع من الله تعالى لعباده
وقوله تعالى يَوْمٌ لاَّ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِى َّ نصب بيدخلكم و لا تعريض لمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسق واستحماد للمؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم ثم المعتزلة تعلقوا بقوله تعالى يَوْمٌ لاَّ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِى َّ


الصفحة التالية
Icon