الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان وثالثها أنه روي عن النبي ( ﷺ ) ( أن منادياً ينادي يوم القيامة يا أهل الجنة فيعلمون أنه من قبل الله عز وجل فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم ثم يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح ثم ينادي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرح ويزداد أهل النار حزناً إلى حزن ) واعلم أنا بينا أن الموت عرض من الأعراض كالسكون والحركة فلا يجوز أن يصير كبشاً بل المراد منه التمثيل ليعلم أن في ذلك اليوم قد انقضى أمر الموت فظهر بما ذكرناه أن أيام الموت هي أيام الدنيا وهي منقضية وأما أيام الآخرة فهي أيام الحياة وهي متأخرة فلما كانت أيام الموت متقدمة على أيام الحياة لا جرم قدم الله ذكر الموت على ذكر الحياة ورابعها إنما قدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض له أهم
المسألة الثالثة اعلم أن الحياة هي الأصل في النعم ولولاها لم يتنعم أحد في الدنيا وهي الأصل أيضاً في نعم الآخرة ولولاها لم يثبت الثواب الدائم والموت أيضاً نعمة على ما شرحنا الحال فيه في مواضع من هذا الكتاب وكيف لا وهو الفاصل بين حال التكليف وحال المجازاة وهو نعمة من هذا الوجه قال عليه الصلاة والسلام ( أكثروا من ذكر هازم اللذات ) وقال لقوم ( لو أكثرتم ذكر هازم اللذات لشغلكم عما أرى ) وسأل عليه الصلاة والسلام عن رجل فأثنوا عليه فقال ( كيف ذكره الموت قالوا قليل قال فليس كما تقولون )
قوله تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ وفيه مسائل
المسألة الأولى الابتلاء هو التجربة والامتحان حتى يعلم أنه هل يطيع أو يعصي وذلك في حق من وجب أن يكون عالماً بجميع المعلومات أزلاً وأبداً محال إلا أنا قد حققنا هذه المسألة في تأويل قوله وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ( البقرة ١٢٤ ) والحاصل أن الابتلاء من الله هو أن يعامل عبده معاملة تشبه ( الابتلاء ) على المختبر
المسألة الثانية احتج القائلون بأنه تعالى يفعل الفعل لغرض بقوله لِيَبْلُوَكُمْ قالوا هذه اللام للغرض ونظيره قوله تعالى إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات ٥٦ ) وجوابه أن الفعل في نفسه ليس بابتلاء إلا أنه لما أشبه الابتلاء سمي مجازاً فكذا ههنا فإنه يشبه الغرض وإن لم يكن في نفسه غرضاً فذكر فيه حرف الغرض
المسألة الثالثة اعلم أنا فسرنا الموت والحياة بالموت حال كونه نطفة وعلقة ومضغة والحياة بعد ذلك فوجه الابتلاء على هذا الوجه أن يعلم أنه تعالى هو الذي نقله من الموت إلى الحياة وكما فعل ذلك فلا بد وأن يكون قادراً على أن ينقله من الحياة إلى الموت فيحذر مجيء الموت الذي به ينقطع استدراك ما فات ويستوي فيه الفقير والغني والمولى والعبد وأما إن فسرناهما بالموت في الدنيا وبالحياة في القيامة فالابتلاء فيهما أتم لأن الخوف من الموت في الدنيا حاصل وأشد منه الخوف من تبعات الحياة في القيامة والمراد من الابتلاء أنه هل ينزجر عن القبائح بسبب هذا الخوف أم لا


الصفحة التالية
Icon