لو كان رسولاً إلى العرب خاصة كان قوله تعالى كَافَّة ً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ( سبإ ٢٨ ) لا يناسب ذلك ولا مجال لهذا لما اتفقوا على ذلك وهو صدق الرسالة المخصوصة فيكون قوله تعالى كَافَّة ً النَّاسِ دليلاً على أنه عليه الصلاة والسلام كان رسولاً إلى الكل
ثم قال تعالى
وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
وَءاخَرِينَ عطف على الأميين يعني بعث في آخرين منهم قال المفسرون هم الأعاجم يعنون بهم غير العرب أي طائفة كانت قاله ابن عباس وجماعة وقال مقاتل يعني التابعين من هذه الأمة الذين لم يلحقوا بأوائلهم وفي الجملة معنى جميع الأقوال فيه كل من دخل في الإسلام بعد النبي ( ﷺ ) إلى يوم القيامة فالمراد بالأميين العرب وبالآخرين سواهم من الأمم وقوله وَءاخَرِينَ مجرور لأنه عطف على المجرور يعني الأميين ويجوز أن ينتصب عطفاً على المنصوب في وَيُعَلّمُهُمُ ( الجمعة ٢ ) أي ويعلمهم ويعلم آخرين منهم أي من الأميين وجعلهم منهم لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم فالمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلف أجناسهم قال تعالى وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ( التوبة ٧١ ) وأما من لم يؤمن بالنبي ( ﷺ ) ولم يدخل في دينه فإنهم كانوا بمعزل عن المراد بقوله وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ وإن كان النبي مبعوثاً إليهم بالدعوة فإنه تعالى قال في الآية الأولى وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة َ ( الجمعة ٢ ) وغير المؤمنين ليس من جملة من يعلمه الكتاب والحكمة وَهُوَ الْعَزِيزُ من حيث جعل في كل واحد من البشر أثر الذل له والفقر إليه والحكيم حيث جعل في كل مخلوق ما يشهد بوحدانيته قوله تعالى ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال ابن عباس يريد حيث ألحق العجم وابناءهم بقريش يعني إذا آمنوا ألحقوا في درجة الفضل بمن شاهد الرسول عليه السلام وشاركوهم في ذلك وقال مقاتل ذالِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني الإسلام يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وقال مقاتل بن حيان يعني النبوة فضل الله يؤتيه من يشاء فاختص بها محمداً ( ﷺ ) والله ذو المن العظيم على جميع خلقه في الدنيا بتعليم الكتاب والحكمة كما مر وفي الآخرة بتفخيم الجزاء على الأعمال
ثم إنه تعالى ضرب لليهود الذين أعرضوا عن العمل بالتوراة والإيمان بالنبي ( ﷺ ) مثلاً فقال
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاة َ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
اعلم أنه تعالى لما أثبت التوحيد والنبوة وبين في النبوة أنه عليه السلام بعث إلى الأميين واليهود لما أوردوا تلك الشبهة وهي أنه عليه السلام بعث إلى العرب خاصة ولم يبعث إليهم بمفهوم الآية أتبعه الله تعالى بضرب المثل للذين أعرضوا عن العمل بالتوراة والإيمان بالنبي عليه السلام والمقصود منه أنهم لما


الصفحة التالية
Icon