الشياطين وغيرهم عذاب جهنم ليس الشياطين المرجومون مخصوصين بذلك وقرىء عَذَابَ جَهَنَّمَ بالنصب عطف بيان على قوله عَذَابِ السَّعِيرِ ( الحج ٤ ) ثم إنه تعالى وصف ذلك العذاب بصفاته كثيرة
إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِى َ تَفُورُ
الصفة الأولى قوله تعالى إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا
أَلْقَوْاْ طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به فيها ومثله قوله حَصَبُ جَهَنَّمَ ( الأنبياء ٩٨ ) وفي قوله سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وجوه أحدها قال مقاتل سمعوا لجهنم شهيقاً ولعل المراد تشبيه صوت لهب النار بالشهيق قال الزجاج سمع الكفار للنار شهيقاً وهو أقبح الأصوات وهو كصوت الحمار وقال المبرد هو والله أعلم تنفس كتنفس المتغيظ وثانيها قال عطاء سمعوا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها شهيقاً وثالثها سمعوا من أنفسهم شهيقاً كقوله تعالى لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ( هود ١٠٦ ) والقول هو الأول
الصفة الثانية قوله وَهِى َ تَفُورُ قال الليث كل شيء جاش فقد فار وهو فور القدر والدخان والغضب والماء من العين قال ابن عباس تغلي بهم كغلي المرجل وقال مجاهد تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل ويجوز أن يكون هذا من فور الغضب قال المبرد يقال تركت فلاناً يفور غضباً ويتأكد هذا القول بالآية الآتية
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِى َ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
الصفة الثالثة قوله تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ يقال فلان يتميز غيظاً ويتعصف غيظاً وغضب فطارت منه ( شعلة في الأرض وشعلة ) في السماء إذا وصفوه بالإفراط فيه وأقول لعل السبب في هذا المجاز أن الغضب حالة تحصل عند غليان دم القلب والدم عند الغليان يصير أعظم حجماً ومقداراً فتتمدد تلك الأوعية عند ازدياد مقادير الرطوبات في البدن فكلما كان الغضب أشد كان الغليان أشد فكان الازدياد أكثر وكان تمدد الأوعية وانشقاقها وتميزها أكثر فجعل ذكر هذه الملازمة كناية عن شدة الغضب فإن قيل النار ليست من الأحياء فكيف يمكن وصفها بالغيظ قلنا الجواب من وجوه أحدها أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة فلعل الله يخلق فيها وهي نار حياة وثانيها أنه شبه صوت لهبها وسرعة تبادرها بصوت الغضبان وحركته وثالثها يجوز أن يكون المراد غيظ الزبانية
الصفة الرابعة قوله تعالى كُلَّمَا أُلْقِى َ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
الفوج الجماعة من الناس والأفواج الجماعات في تعرفه ومنه قوله فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ( النبأ ١٨ ) و خَزَنَتُهَا مالك وأعوانه من الزبانية أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ وهو سؤال توبيخ قال الزجاج وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب وفي الآية مسألتان


الصفحة التالية
Icon