فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد ألا يعلم من خلق الأجسام والعالم الذي خلق الأجسام هو العالم بهذه الأشياء قلنا إنه لا يلزم من كونه خالقاً لغيره هذه الأشياء كونه عالماً بها لأن من يكون فاعلاً لشيء لا يجب أن يكون عالماً بشيء آخر نعم يلزم من كونه خالقاً لها كونه عالماً بها لأن خالق الشيء يجب أن يكون عالماً به
المسألة الثانية الآية تحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون مِنْ خَلَاقٍ في محل الرفع والمنصوب يكون مضمراً والتقدير ألا يعلم من خلق مخلوقه وثانيها أن يكون من خلق في محل النصب ويكون المرفوع مضمراً والتقدير ألا يعلم الله من خلق والاحتمال الأول أولى لأن الاحتمال الثاني يفيد كونه تعالى عالماً بذات من هو مخلوقه ولا يقتضي كونه عالماً بأحوال من هو مخلوقه والمقصود من الآية هذا لا الأول وثالثها أن تكون مِنْ في تقدير ما كما تكون ما في تقدير من في قوله وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ( الشمس ٥ ) وعلى هذا التقدير تكون ما إشارة إلى ما يسره الخلق وما يجهرونه ويضمرونه في صدورهم وهذا يقتضي أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى
أما قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فاعلم أنهم اختلفوا في اللَّطِيفُ فقال بعضهم المراد العالم وقال آخرون بل المراد من يكون فاعلاً للأشياء اللطيفة التي تخفى كيفية عملها على أكثر الفاعلين ولهذا يقال إن لطف الله بعباده عجيب ويراد به دقائق تدبيره لهم وفيهم وهذا الوجه أقرب وإلا لكان ذكر الخبير بعده تكراراً
هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
فيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو أنه تعالى بين بالدلائل كونه عالماً بما يسرون وما يعلنون ثم ذكر بعده هذه الآية على سبيل التهديد ونظيره من قال لعبده الذي أساء إلى مولاه في السر يا فلان أنا أعرف سرك وعلانيتك فاجلس في هذه الدار التي وهبتها منك كل هذا الخير الذي هيأته لك ولا تأمن تأديبي فإني إن شئت جعلت هذه الدار التي هي منزل أمنك ومركز سلامتك منشأ للآفات التي تتحير فيها ومنبعاً للمحن التي تهلك بسببها فكذا ههنا كأنه تعالى قال أيها الكفار اعلموا أني عالم بسركم وجهركم فكونوا خائفين مني محترزين من عقابي فهذه الأرض التي تمشون في مناكبها وتعتقدون أنها أبعد الأشياء عن الإضرار بكم أنا الذي ذللتها إليكم وجعلتها سبباً لنفعكم فامشوا في مناكبها فإنني إن شئت خسفت بكم هذه الأرض وأنزلت عليها من السماء أنواع المحن فهذا هو الوجه في اتصال هذه الآية بما قبلها
المسألة الثانية الذلول من كل شيء المنقاد الذي يذل لك ومصدره الذل وهو الانقياد واللين ومنه يقال دابة ذلول وفي وصف الأرض بالذلول أقوال أحدها أنه تعالى ما جعلها صخرية خشنة بحيث يمتنع المشي عليها كما يمتنع المشي على وجوه الصخرة الخشنة وثانيها أنه تعالى جعلها لينة بحيث يمكن حفرها وبناء الأبنية منها كما يراد ولو كانت حجرية صلبة لتعذر ذلك وثالثها أنها لو كانت حجرية أو


الصفحة التالية
Icon