قال لهم أتأمنون من قد أقررتم بأنه في السماء واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء أن يخسف بكم الأرض وثالثها تقدير الآية من في السماء سلطانه وملكه وقدرته والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته كما قال وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ ( الأنعام ٣ ) فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين فوجب أن يكون المراد من كونه في السموات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته وجريان مشيئته في السموات وفي الأرض فكذا ههنا ورابعها لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله مَّن فِى السَّمَاء الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام والمعنى أن يخسف بهم الأرض بأمر الله وإذنه وقوله فَإِذَا هِى َ تَمُورُ قالوا معناه إن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها فيذهبون والأرض فوقهم تمور فتلقيهم إلى أسفل السافلين وقد ذكرنا تفسير المور فيما تقدم
أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
ثم زاد في التخويف فقال أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً
قال ابن عباس كما أرسل على قوم لوط فقال إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً ( القمر ٣٤ ) والحاصب ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقيل هو سحاب فيها حجارة
ثم هدد وأوعد فقال فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
قيل في النذير ههنا إنه المنذر يعني محمداً عليه الصلاة والسلام وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك والمعنى فستعملون رسولي وصدقه لكن حين لا ينفعكم ذلك وقيل إنه بمعنى الإنذار والمعنى فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول و ( كيف ) في قوله كَيْفَ نَذِيرِ ينبىء عما ذكرنا من صدق الرسول وعقوبة الإنذار
واعلم أنه تعالى لما خوف الكفار بهذه التخويفات أكد ذلك التخويف بالمثال والبرهان أما المثال فهو أن الكفار الذين كانوا قبلهم شاهدوا أمثال هذه العقوبات بسبب كفرهم فقال
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ
يعني عاداً وثمود وكفار الأمم وفيه وجهانأحدهما قال الواحدي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أي إنكاري وتغييري أليس وجدوا العذاب حقاً والثاني قال أبو مسلم النكير عقاب المنكر ثم قال وإنما سقط الياء من نذيري ومن نكيري حتى تكون مشابهة لرؤوس الآي المتقدمة عليها والمتأخرة عنها وأما البرهان فهو أنه تعالى ذكر ما يدل على كمال قدرته ومتى ثبت ذلك ثبت كونه تعالى قادراً على إيصال جميع أنواع العذاب إليهم وذلك البرهان من وجوه
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَى ْءٍ بَصِيرٌ
البرهان الأول هو قوله تعالى أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ


الصفحة التالية
Icon