واعلم أنه تعالى لما حكى هذه القصص الثلاث ونبه بها عن ثبوت القدرة والحكمة للصانع فحينئذ ثبت بثبوت القدرة إمكان القيامة وثبت بثبوت الحكمة إمكان وقوع القيامة
ولما ثبت ذلك شرع سبحانه في تفاصيل أحوال القيامة فذكر أولاً مقدماتها فقال
فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ نَفْخَة ٌ وَاحِدَة ٌ
وفيه مسائل
المسألة الأولى قرىء نَفْخَة ٌ بالرفع والنصب وجه الرفع أسند الفعل إليها وإنما حسن تذكير الفعل للفصل ووجه النصب أن الفعل مسند إلى الجار والمجرور ثم نصب نفخة على المصدر
المسألة الثانية المراد من هذه النفخة الواحدة هي النفخة الأولى لأن عندها يحصل خراب العالم فإن قيل لم قال بعد ذلك يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ( الحاقة ١٨ ) والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية قلنا جعل اليوم اسماً للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والوقوف والحساب فلذلك قال يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ كما تقول جئته عام كذا وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته
وَحُمِلَتِ الأرض وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّة ً وَاحِدَة ً
فيه مسألتان
المسألة الأولى رفعت الأرض والجبال إما بالزلزلة التي تكون في القيامة وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال أو بملك من الملائكة أو بقدرة الله من غير سبب فدكتا أي فدكت الجملتان جملة الأرض وجملة الجبال فضرب بعضها ببعض حتى تندق وتصير كثيباً مهيلاً وهباء منبثاً والدك أبلغ من الدق وقيل فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً من قولك اندك السنام إذا انفرش وبعير أدك وناقة دكاء ومنه الدكان
المسألة الثانية قال الفراء لا يجوز في دكة ههنا إلا النصب لارتفاع الضمير في دكتا ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كالواحدة والأرض كالواحدة كما قال ءانٍ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ( الأنبياء ٣٠ ) ثم قال تعالى ولم يقل كن
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَة ُ وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِى َ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَة ٌ
أي فيومئذ قامت القيامة الكبرى وانشقت السماء لنزول الملائكة فَهِى َ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَة ٌ أي مسترخية ساقطة القوة كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ بعدما كانت محكمة شديدة
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة ٌ
ثم قال تعالى وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon