صريح فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل فنقول السبب في هذا الكلام هو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه فخلق لنفسه بيتاً يزورونه وليس أنه يسكنه تعالى الله عنه وجعل في ركن البيت حجراً هو يمينه في الأرض إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم وجعل على العباد حفظة ليس لأن النسيان يجوز عليه سبحانه لكن هذا هو المتعارف فكذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله جلس إليهم على سرير ووقف الأعوان حوله أحضر الله يوم القيامة عرشاً وحضرت الملائكة وحفت به لا لأنه يقعد عليه أو يحتاج إليه بل لمثل ما قلناه في البيت والطواف
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَة ٌ
قوله تعالى يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرف أحواله ونظيره قوله وَعُرِضُواْ عَلَى رَبّكَ صَفَّا وروى ( أن في القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ وأما الثالثة ففيها تنثر الكتب فيأخذ السعيد كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله )
ثم قال لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَة ٌ وفيه مسألتان
المسألة الأولى في الآية وجهان الأول تقرير الآية تعرضون لا يخفى أمركم فإنه عالم بكل شيء ولا يخفى عليه منكم خافية ونظيره قوله لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَى ْء فيكون الغرض منه المبالغة في التهديد يعني تعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلاً الوجه الثاني المراد لا يخفى يوم القيامة ما كان مخفياً منكم في الدنيا فإنه تظهر أحوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر أحوال أهل العذاب فيظهر بذلك حزنهم وفضيحتهم وهو المراد من قوله يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّة ٍ وَلاَ نَاصِرٍ وفي هذا أعظم الزجر والوعيد وهو خوف الفضيحة
المسألة الثانية قراءة العامة لاَ تَخْفَى بالتاء المنقطة من فوقها واختار أبو عبيدة الياء وهي قراءة حمزة والكسائي قال لأن الياء تجوز للذكر والأنثى والتاء لا تجوز إلا للأنثى وههنا يجوز إسناد الفعل إلى المذكر وهو أن يكون المراد بالخافية شيء ذو خفاء وأيضاً فقد وقع الفصل ههنا بين الاسم والفعل بقوله منكم
واعلم أنه تعالى لما ذكر ما ينتهي هذا العرض إليه قال
فَأَمَّا مَنْ أُوتِى َ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى هاء صوت يصوت به فيفهم منه معنى خذ كأف وحس وقال أبو القاسم الزجاجي وفيه لغات وأجودها ما حكاه سيبويه عن العرب فقال ومما يؤمر به من المبنيات قولهم هاء يا فتى ومعناه تناول ويفتحون الهمزة ويجعلون فتحها علم المذكر كما قالوا هاك يا فتى فتجعل فتحة الكاف علامة المذكر


الصفحة التالية
Icon