المسألة الثانية قصة أصحاب الأخدود ولا سيما هذه الآية تدل على أن المكره على الكفر بالإهلاك العظيم الأولى له أن يصبر على ما خوف منه وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك روى الحسن أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي ( ﷺ ) فقال لأحدهما تشهد أني رسول الله فقال نعم فتركه وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال عليه السلام ( أما الذي ترك فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه وأما الذي قتل فأخذ بالفضل فهنيئاً له )
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِى ءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أولاً وذكر وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثانياً أردف ذلك الوعد والوعيد بالتأكيد فقال لتأكيد الوعيد إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ثم إن هذا القادر لا يكون إمهاله لأجل الإهمال لكن لأجل أنه حكيم إما بحكم المشيئة أو بحكم المصلحة وتأخير هذا الأمر إلى يوم القيامة فلهذا قال إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ أي إنه يخلق خلقه ثم يفنيهم ثم يعيدهم أحياء ليجازيهم في القيامة فدل الإمهال لهذا السبب لا لأجل الإهمال قال ابن عباس إن أهل جهنم تأكلهم النار حتى يصيروا فحماً ثم يعيدهم خلقاً جديداً فذاك هو المراد من قوله إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ
ثم قال لتأكيد الوعد وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ فذكر من صفات جلاله وكبريائه خمسة
أولها الغفور قالت المعتزلة هو الغفور لمن تاب وقال أصحابنا إنه غفور مطلقاً لمن تاب ولمن لم يتب لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ( النساء ٤٨ ) ولأن غفران التائب واجب وأداء الواجب لا يوجب التمدح والآية مذكورة في معرض التمدح وثانيها الودود وفيه أقوال أحدها المحب هذا قول أكثر المفسرين وهو مطابق للدلائل العقلية فإن الخير مقتضى بالذات والشر بالعرض ولا بد أن يكون الشر أقل من الخير فالغالب لا بد وأن يكون خيراً فيكون محبوباً بالذات وثانيها قال الكلبي الودود هو المتودد إلى أوليائه بالمغفرة والجزاء والقول هو الأول وثالثها قال الأزهري قال بعض أهل اللغة يجوز أن يكون ودود فعولاً بمعنى مفعول كركوب وحلوب ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وأفعاله قال وكلتا الصفتين مدح لأنه جل ذكره إذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه وإن أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه ورابعها قال القفال قيل الودود قد يكون بمعنى الحليم من قولهم دابة ودود وهي المطيعة القياد التي كيف عطفتها انعطفت وأنشد قطرب وأعددت للحرب خيفانة
ذلول القياد وقاحا ودودا


الصفحة التالية
Icon