السؤال الأول أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أو لم تنفعهم فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى الجواب أن المعلق بأن على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء ويدل عليه آيات منها هذه الآية ومنها قوله وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ( النور ٣٣ ) ومنها قوله وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( البقرة ١٧٢ ) ومنها قوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلواة ِ إِنْ خِفْتُمْ ( النساء ١٠١ ) فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف ومنها قوله وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ ( البقرة ٢٨٣ ) والرهن جائز مع الكتابة ومنها قوله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ والمراجعة جائزة بدون هذا الظن إذا عرفت هذا فنقول ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد إحداها أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الأفضاء فلذلك قال إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى وثانيها أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبه على الأخرى كقوله سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ( النحل ٨١ ) والتقدير فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى أو لم تنفع وثالثها أن المراد منه البعث على الانتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق قد أوضحت لك إن كنت تعقل فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع به ورابعها أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول ( ﷺ ) أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل ادع فلاناً إن أجابك والمعنى وما أراه يجيبك وخامسها أنه عليه السلام دعاهم إلى الله كثيراً وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك فقيل له وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِالْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ( ق ٤٥ ) إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط
السؤال الثاني التعليق بالشرط إنما يحسن في حق من يكون جاهلاً بالعواقب أما علام الغيوم فكيف يليق به ذلك الجواب روي في الكتب أنه تعالى كان يقول لموسى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ( طه ٤٤ ) وأنا أشهد أنه لا يتذكر ولا يخشى فأمر الدعوة والبعثة شيء وعلمه تعالى بالمغيبات وعواقب الأمور غير ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر
السؤال الثالث التذكير المأمور به هل مضبوط مثل أن يذكرهم عشرات مرات أو غير مضبوط وحينئذ كيف يكون الخروج عن عهدة التكليف والجواب أن الضابط فيه هو العرف والله أعلم
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى
ففيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أن الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام منهم من قطع بصحته ومنهم من جوز وجوده ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفي ولا بالإثبات ومنهم من أصر على إنكاره وقطع بأنه لا يكون فالقسمان الأولان تكون الخشية حاصلة لهما وأما القسم الثالث فلا خشية له ولا خوف إذا عرفت ذلك ظهر أن


الصفحة التالية
Icon